للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرَدَ، ونَسَبَهُ إلى رِوَايَةِ علي -كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ-، ومنهم من قال: أراد به أنه -صلى الله عليه وسلم- قَضَى بالدِّيَةِ على العَاقِلَةِ (١). وأما التَّنْجِيمُ فلم يَردْ وُرُودَ الخبر به، وأخذ ذلك من إِجْمَاعِ الصحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- أو غيره.

إذا عرف ذلك، فلا خِلاَفَ عن عَامَّةِ العلماء -أن ما يُضْرَبُ على العَاقِلَةِ يُضْرَبُ مُؤَجَّلاً، وأن الأَجَلَ لا يَنْقُص عن سَنَةٍ، وأن دِيَةَ النَّفْسِ الكاملة تُؤجَّلُ إلى ثلاث سنين، يُؤْخَذُ في كُلِّ سَنَةٍ ثلثها، واختلف الأصحاب في أن المَرْعِيَّ ماذا؟ وأن الحكم بم يُنَاطُ؟

فراعى طَائِفَةٌ كونها [بدل] (٢) نفس محرمة (٣)، وأداروا الحُكْمَ عليها.

ونظر آخرون إلى قَدْرِ الواجب، واعتبروا التَّأْجِيلَ به، وهذا أَشْبَهُ بالترجيح على ما سَنُبَيِّنُ، وتظهر فائدة الخلاف في صُوَرٍ: منها: بَدَلُ العَبْدِ، وأطرافه إذا قتل، أو قطع (٤) خطأ أو شبه عَمْدٍ، هل تَتحَملُهَا العَاقِلَةُ؟ فيه قولان:

أحدهما: وبه قال مالك، وأحمد-: لا، بل هو على الجَانِي حَالاً؛ لأنه مَضْمُونٌ بالقِيمَةِ، فكان بَدَلُهُ كَبَدَلِ البَهِيمَةِ.

وأيضاً، فقد روِيَ في الخَبَرِ لا تحمل العاقلة عَمْداً، ولا عبداً، ولا اعترافاً (٥).

وأظهرهما -وهو الجديد-: نعم؛ لأنه بَدَلُ آدَمِيِّ، فَأَشْبَهَ بَدَلَ الحُرِّ، ويوضحه أن


= سنين، وجعل نصف الدية في ستين، وما دون النصف في سنة، وأما الرواية بذلك عن علي فرواها البيهقي أيضاً من رواية يزيد بن أبي حبيب عن علي، وهو منقطع، وفيه ابن لهيعة، وأما الرواية بذلك عن ابن عباس فلم أقف عليها.
(١) تقدم.
(٢) سقط في ز.
(٣) في ز: محترقة.
(٤) في ز: وقتل.
(٥) قال الحافظ في التلخيص: قال إمام الحرمين في النهاية: روى الفقهاء فذكر هذا الحديث بلفظ: لا تحمل العاقلة عبداً ولا اعترافاً، قال: وغالب ظني أن الصحيح الذي أورده أئمة الحديث: لا تحمل العاقلة عمداً ولا اعترافاً، وقال الرافعي في أواخر الباب: هذا الحديث تكلموا في ثبوته، وقال ابن الصباغ: لم يثبت متصلاً، وإنما هو موقوف على ابن عباس، انتهى. وفي جميع هذا نظر، فقد روى الدارقطني والطبراني في مسند الشاميين من حديث عبادة بن الصامت: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تجعلوا على العاقلة من دية المعترف شيئاً"، وإسناده واه، فيه محمد بن سعيد المصلوب وهو كذاب، وفيه الحارث بن نبهان وهو منكر الحديث، وروى الدارقطني والبيهقي من حديث عمر مرفوعاً: العمد والعبد والصلح والاعتراف لا تعقلة العاقلة، وهو منقطع، وفي إسناده عبد الملك بن حسين وهو ضعيف. قال البيهقي: والمحفوظ أنه عن عامر الشعبي من قوله، وروي أيضاً عن ابن عباس: لا تحمل العاقلة عمداً ولا صلحاً ولا اعترافاً، ولا ما جنى المملوك. وفي الموطأ عن الزهري: مضت السنة أن العاقلة لا تحمل شيئاً من ذلك.
وروى البيهقي عن أبي الزناد عن الفقهاء من أهل المدينة نحوه.

<<  <  ج: ص:  >  >>