للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأنه إذا كان يَتَقَاتَلُ رجلان، فرمى أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فسقط بِصَوْلَتِهِ، وهَلَكَ لم يَجِب له ضَمَانٌ. وإن سقط بِصَوْلَتِهِ وضَرَبَهُ صَاحِبُهُ، وَجَبَ نِصْفُ الضمان.

وأنه لو شَدَّ عُنُقَ أحد بَعِيرَيْهِ بالآخر، وتَرَكَهُمَا في المَسْرَح، فدخل بَعِيرٌ لآخر بينهما، فَهَلَكَ من جَذْبَةِ الحَبْلِ أَحَدُ البعيرين، فلا ضَمَانَ، إلا أن يكون ذلك البَعِيرُ معروفاً بالعَضِّ والإِفْسَادِ.

وإن من نصفه حُرٌّ، ونصفه رَقِيقٌ إذا قَتَلَ خَطأً يجب نِصْفُ الدية على عَاقِلَتِهِ.

قال الغَزَالِيُّ: وَلَوْ جَنَى العَبْدُ فَأَرْشُهُ يَتَعَلَّقُ بِرقْبَتِهِ، وَهَلْ يتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ حَتَّى يُطَالَبَ بِهِ بَعْدَ العِتْقِ فِيهِ قَوْلاَنِ، فَإنْ تَعلَّقَ فَهَلْ يَصِحُّ ضَمَانُهُ فِيهِ وَجْهَانِ، وَإِنْ اخْتَارَ السَّيِّدُ الفِدَاءَ فَلَهُ ذَلِكَ وَلاَ يَلْزَمُهُ إلاَّ أَقَلُّ الأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَةِ العَبْدِ أَوْ أَرْشُ الجِنَايَةِ في أَصَحِّ القَوْلَيْنِ، وَلَوْ قَالَ: اختَرْتُ الفِدَاءَ لَمْ يَلزَمْهُ مَا لَمْ يُسْلِمْ في أَقْيَسِ الوَجْهَيْنِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: لما كان هذا القسم مَسُوقاً لِبَيَانِ من عَلَيهِ الدِّيَةُ، وقد بَانَ فيه أن المَالَ الوَاجِبَ بِجِنَايَةِ الحُرِّ يجب عليه إن كانت الجِنَايَةُ عَمْداً، وعلى عاقلته إن كانت خَطَأً أو شِبْهَ عَمْدٍ حَسُنَ تعْقِيبُهُ بِبَيَانِ أن المَالَ الواجب بِجِنَايَةِ الرقيق بمن يَتَعلَّقُ فَنَخْتِمُ القِسْمَ بفصلين:

أحدهما: في جِنَايَةِ القِنِّ.

والثاني: في جناية المُسْتوْلَدَةِ.

أما الفصل الأول، فهذا جَنَى العَبْدُ جِنَايَةً تُوجِبُ المَالَ، أو توجب القِصَاصَ، ورجع الأمر بالعِتْقِ إلى المال تَعلَّقَ المَالُ الواجب بِرَقَبَتِهِ، حتى تؤدي منها (١)؛ وذلك لأنه لا يُمْكِنُ إِلْزَامُ جِنَايَتِهِ السَّيِّدِ؛ لأنه إِضْرَارٌ به، والجاني العَبْدُ لا السَّيِّدُ، ولا يمكن أن يقال: إنه يكون في ذِمَّتِهِ إلى أن يعتق ويُوسِرَ؛ فإنه تَفْوِيتٌ للضمان، أو تَأْخِيرٌ لا إلى غَايَةٍ مَعْلُومَةِ، وفيه ضَرَرٌ ظاهر، ويخالف ما إذا عَامَلَهُ إنسان بِإِقْرَاضٍ وغيره، فإنه رِضَى يكون الحَقَّ في ذِمَّتِهِ، فجعل التَّعَلُّق بالرَّقَبَةِ طَرِيقاً وَسَطاً في رعاية (٢) الجانبين ويروى عن ابن عَبَّاس -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أنه قال: "إن العَبْدَ لا يغرم سيده فوق نَفْسِهِ شيئاً" (٣).


(١) محل ما ذكره الشيخ في العبد المميز فأما من لا تمييز له وأمره بذلك آمر ففعل فلا يتعلق الأرش برقبته.
(٢) في ز: غاية.
(٣) أخرجه البيهقي من حديث مجاهد عند هذا، وزاد: وإن وإن المجروح أكثر من ثمن العبد فلا يزاد عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>