للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحُجَجِ، والتفريقُ مع الحجج لا يَقْدَح كما إذا شهد الشهودُ متفرِّقين، وعلى هذا فلو حلَّفه القاضي الخمسينَ في خمْسين يوْماً، جاز.

وعن نصِّه -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- في "الأم" (١) أنه لو حلَفَ بعْضَ الأيمان، ثم استنظر القاضي، أنْظَرَه، وإذا عَادَ اعْتَدَّ له بما مضى، والوجهان قريبان من الوجهَيْنِ في اشتراط الموالاة في كلِمَات اللعان، لكن ذكرنا هناك أن الأشبه الاشتراطُ، ويُمْكن أن يفرق بأن اللعان أولَى بالاحتياط؛ من حيث إنَّه يتعلَّق به العقوبة البدنية، ومن حيث إنه يختلُّ به النسب وتشيع الفاحشة.

الثالثة: إذا جُنَّ المدعي في خلال الأيْمان أو أُغْمِيَ عليه، ثم أفّاق، فيُبْنَى، ولا يجب الاستئناف، أما إذا لم نَشْترط الموالاةَ، فظاهر، وأما إذا شرطْناها، فلقيام العذْر، ولو عُزِلَ القاضي، أو ماتَ في أثنائها، وولَّى غيره، فالذي أورده في الكتاب، وهو الجواب في "التهذيب" وغيرهما: أن القاضي الثاني يستأنف: الأيمان، كما لو عُزِل القاضي أو ماتَ بعْد سماع البيَّنة، وقبل الحُكْم، وكما إذا أقام شاهِداً واحدًا، وأراد أن يحْلف معه، فعُزِل القاضي، وولي غيره (٢)، لا بُدَّ من استئناف الدعْوَى والشهادة، وحُكِيَ قول عن نصه -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- في "الأم": أن القاضي الثاني يَعْتَدُّ بما سبق من الأيمان، وذكر الرويانيُّ: أنه الصحيح، لكن "صاحب التتمة" حمل النص على ما إذا حلَفَ المدَّعَى عليه بعْض الأيمان تفريعاً على التعدُّد ثم مات القاضي أو عُزِلَ، وولِّي غيره، فإنه يَعْتدُّ بالأيمان السابقة، وفَرَق بأن يمين المدعَى عليه على النفي، فتقع نافذةً بنفسها، ويمين المدَّعِي للإثبات فيتوقَّف على الحكم، والقاضي الثاني لا يَحْكُم بحجة أقيمتْ عند الأول كما في الشهادة، وذكر أن عَزْل القاضي وموْتَه بعد تمام الأيمان كالعَزْل في أثنائها في الطَّرَفَيْن، وأنه لو عزل القاضي في أثناء الأيمان من جانب المدَّعِي أو المدعَى عليه، ثم وُلِّيَ ثانيًا فيبني على أن الحاكم هلْ يحكم بعلم نفسه؟ إنْ قلنا: لا، فيستأنف، وإن قلنا: نعم، فيبنى، ولو أن الولي المُقْسِم ومات في أثناء الأيمان، فقد نص في "المختصر": أن وارثه يستأنف، ولا يبنى؛ لأن الأيمان كالحُجَّة الواحدة، ولا يجوز أن يستحق أحد شيئًا بيمين غيره، [ليس كما إذا جُنَّ ثم أفاق؛ فإنَّ الحالف واحدٌ قال الرويانيُّ] (٣) وليس كما إذا أقام شطْر البينة ثم ماتَ حيْث يضُمُّ وارثه إليه الشطْر الثاني، ولا يستأنف؛ لأن شهادة كلِّ شاهد بها مستقلةٌ منفردةٌ عن شهادة الآخر، ألا ترى أنه إذا انضمت اليمين إليها قد يحكم بها، وأيمان القسامة لا استقلال لبعضها، ألا ترى أنه لو انضم إليه شهادة شاهدٍ, لا يحكم بهما، وعن الخضريِّ: أن الوارث يبني على


(١) في ز: الآخر.
(٢) في ز: آخر.
(٣) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>