للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يثبت كلُّ واحد لنفسه ما يثبته الواحد لو انفرد؛ لأنَّ الواحد يُثْبت كل الدية وكلُّ واحد عند الاجتماع يُثْبِت بعضَها، فيحلِف بحَسَب ما يثبته، وسَوَّى في "التهذيب" بين الطَرَفَيْنِ، وجعَل الأصحَّ ههنا التوزيعَ أيضاً، وإذا قلنا بالتوزيع، فلو كانت الدعوَى على اثنين؛ أحدُهما حاضرٌ، والآخرُ غائبٌ، حلف الحاضرُ خمسين يمينًا، فإذا حضَر الغائبُ، وأنكر، حلَفَه خمسًا وعشرين، وإن كانا حاضرَيْن، فنكل أحدُهما، حلَف الآخر خمسين؛ لأن البراءة عن الدم لا تحصل بما دونها على قوْلِ التعدُّد، ويحْلِف المُدَّعي على الناكل خمسين، وإذا نَكَل المدَّعَى عليه عن اليمين، والمدَّعون جماعةٌ، وقلْنا بالتعدد، فتوزع الأيمان عليهم على قَدْر مواريثهم أو يَحْلِف كلُّ واحد خمسين؟ فيه القولان السابقان.

هذا حُكْم الأيمان في دعْوَى النفس، فأما إذا كانتِ الدعوَى في الأطراف والجراحات؛ فقد مرَّ أنه لا يجْرِي فيها القَسامةُ، وأنه لا اعتبار فيها باللَّوْث، ولكن يحلف المدَّعَى عليه، وهل يتعدَّد اليمين؟ ينبني (١) ذلك على أن يمين المدَّعَى عليه في دعْوى النفْس هل تتعدَّد؟ إن قلنا: لا فههنا أولَى، وإن قلْنا: نعم، فقولان، ويُقَال وجهان:

أحدهما: لا تتعدد أيضًا، كما في سائر الدعاوَى والتغليظ (٢) هناك من خاصيَّة النفْسِ؛ لِعِظَم خطَرِها.

والثاني: يستويان في هذا التغْليظ كما يستويان في القصاص، وفي تغليظ الدية، وهَذَا أشبهُ بأن يُرجَّح.

وذكر ابن الصبَّاغ: أن هذا الخلاف فيما إذا كانتِ الدعوَى في العمد المحض، أما إذا كانَتْ في الخطأ وشبْه العمْد، فتتحد اليمين بلا خِلاَف؛ لأن الواجبَ المَالُ غيْرِ، والأكثرون لم يَفْرِقوا بين العمْد وغيره، كما في النفْس، وإذا قلْنا: بالتعدد فذلك فيما إذا كان الواجبْ فيما يدعيه مثلَ به بدل النفس، فأما إذا كان الواجبُ دون بدَلِ النفس مقدَّراً كما كان (٣) في اليد الواحدة، أو حكومة؟ فقولان:

أصحُّهما: على ما ذكر المتولِّي وغيره: أنه يُحَلَّفُ المدَّعَى عليه خمسين يمينًا أيضًا، كما أن في سائر الدعاوَى لا يختلف الحالُ بكثرة المدَّعي وقلته.

والثاني: أنه يحْلِف بالقسْط، وتوزَّع الأيمانُ على الأبدال، ففي اليد الواحدةِ


(١) في ز: خفى.
(٢) في ز: والغليظ.
(٣) في ز: كان كما.

<<  <  ج: ص:  >  >>