للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله "فهو معتبر" (١) أي في ثبوت أحكام الباغين.

وقوله "ولا بد، وأن يكون فيهم (٢) واحدٌ مطاعٌ" [هو] الذي حكيناه عن الإِمام [قوله] وقوله "وهل يجب أن يكونَ بصفات الأئمة"؟ ليُحْمَل على المسألة المشهورة بالخلاف.

قال الغَزَالِيُّ: أَمَّا أَحْكَامُ البُغَاةِ فَشَهَادَتُهُمْ مَقْبُولةٌ لِجَهْلِهِمْ بِسَبَب التَّأْوِيل، وَقَضَاؤُهُمْ نَافِذٌ وَيجِبُ عَلَى قَاضِينَا إِمْضَاؤُهُ، وَمَا أَخَذُوهُ مِنَ الحُقُوقِ يَقَعُ مَوْقِعَهُ، فَإنْ صَرَفُوا سَهْمَ المُرْتَزِقَةِ إِلَى جُنْدِهِمْ فَفِي وُقُوعِهِ المَوْقِعِ وَجْهَانِ، وَإِنْ سَمِعَ قَاضِيهِمُ البَيِّنَةَ وَالْتَمَسَ مِنَّا الحُكْمَ حَكَمْنَا عَلَى أَصَحِّ القَوْلَيْنِ نَظَراً لِلْرَّعَايَا.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: الفصل [يشتمل] (٣) على حكْمَيْن من أحكام أهل البغْيِ.

أحدهما: شهادةُ أهل البغي مقبولةٌ؛ بناءً على أنهم ليسوا بفسقة على ما مَرَّ، ولفظ الشافعيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: "ولو شَهِدَ منْهُمْ عدْلٌ، قُبِلَتْ شهادَتُهُ، ما لم يكن يرى أَنْ يَشْهدَ لِمُوَافَقَةٍ؛ بتصديقه"، فأثبت العدالة مع البغي.

وقوله: "ما لم يكن يَرَى أن يشهد لموافقة" أراد الخَطَّابية الذين يشهدون لمن يوافقهم في العقيدة تصديقاً لقولهم واعتماداً على أنهم لا يكْذِبون؛ لأن الكذب كفْرٌ عندهم، وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى في "كتاب الشهادات" وإن كان لهم قاضٍ في بلد، قال المعتبرون من الأصحاب: يُنْظر؛ إن كان يستحلُّ دماء أهل العَدْل، لم ينفذ حكمه؛ لأنه ليس بعدل ومن شرْط القضاءِ العدالةُ، وبمثله يجيب هؤلاء فيما إذا كان الشاهدُ ممَّن يستحل ذلك، ومنهم مَنْ يطلق نفوذَ قضاء أهْل البغْي رعايةً لمصلحة الرعايا، وصرَّح مصرِّحون بأن من ولاه صاحبُ الشوكة، نفذ قضاؤه، وإن كان جاهلًا أو فاسقاً، لقضاء أهل البغي، وسيأتي ذكره في "أدب القضاء" إن شاء الله تعالى، وإن لم يكن قاضيهم مِمَّنْ يستحل دماء أهل العَدْل وأموالهم، فينفذ حكمه بما ينفذ به حكْمُ قاضي أهل العدْل، فلو حكم يما يخالف النَّصَّ أو الإجماع أو القياس الجليَّ، فهو مردود حتى لو وقع واحدٌ من أهل العدل في أسرهم (٤)، فقضى عليه قاضيهم بضمان ما أتلف في الحَرْب، لم ينفذ قضاؤه، وكذا لو حكم بسقوط ضمان ما أتلفوه في غير القِتَال، وإن حكَمَ بسقُوط ضمان ما أتلفوه في حال القتال، نَفَذ حكمه، ولا تجوز مطالبتهم بعد ذلك؛ لأنه في محل الاجتهاد.


(١) في ز: يعتبر.
(٢) في ز: منهم.
(٣) في أ: مشتمل.
(٤) في ز: أمرهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>