والفصل الثاني: فيمن تصح منه الردَّة، ويشترط في صحة الردَّة: التكليف، فلا تصحٌّ ردة الصبيِّ والمجنون؛ لأنه لا تكليف عليهما، ولا اعتداد بقولهما، وعَقْدِهما، وعن أبي حنيفة: أنه تصحُّ ردَّةُ الصبيِّ المميز، ولكن لا يُقْتَلُ حتى يبلغ، ومن ارتد، ثم جُنَّ، لم يُقْتَل في جنونه؛ لأنه ربَّما عاد إلى الإسلام، لو عَقَل، وكذا لو أَقرَّ على نفسه بالزنا، ثم جُنَّ، لا يقام عليه الحد؛ لأنه قد يَرْجع [عن] الإقرار، بخلاف ما لو أقرَّ عَلَى نفسه بِقِصاص أو حدٍّ قذْف، ثم جنَّ، يستوفى منه في جنونه؛ لأنه لا يسْقُط بالرجوع، وبخلاف ما لو قامتْ عليه بينة بالزنا ثم جُنَّ؛ لأنه لا يسْقُط الحدُّ بعد ثبوته بالبينة إلا على قولِ مَنْ يقول: إنه يسقط بالتوبة، قال صاحب "التهذيب": وهذا كله على سبيل الاحتياطِ، فلو قَتَلَ في حال الجنون، أو أقيم عليه الحدُّ، فمات، لم يجب شيء، وهل تصحُّ ردة السكران؟ فيه طريقان؛ سبق نظيرهما في سائر تصرفاته.
أظهرهما: أن فيه قولَيْن.
أصحهما: نعم.
والثاني: المنْعُ، وبه قال أبو حنيفة.
والثاني: القطع بالصحة، فإن قلنا: تصح ردته، وجب عليه القتْل، إذا ارتد في سُكْره، أو أقر بالردة، ولكن لا يُقْتَل حتى يفيق، فيُعْرَض عليه الإسلام، وفي صحة استتابته في السّكْر وجهان مقُولان في "التهذيب".
أحدهما: أنها تصحُّ، كما تصح ردته، لكن المستحَبَّ أن تؤَخَّر إلى الإفاقة.
والثاني، وهو المذكور في "الشامل": المنع؛ لأن الشبهة لا تَزُول في تلْك الحالة، ولو عاد إلى الإسلام في السُّكُر، صحَّ إسلامه، وارتفع حكم الردة.
نعَم، ذكرنا طريقاً في تصرُّفات السكران، أنَّه ينفذ ما عليه بلا خلاف، والقولان فيما له، فعلى هذا يجيْء قول إنه لا يصحُّ إسلامه، وإن صحَّت ردته، وحكى ابن كج طريقةً قاطعة بأنه لا يصحُّ عودُه إلى الإسْلام، والظاهر الأول؛ وقد نقل عن نص الشافعيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أنه قال: إن رجَعَ إلى الإسلام، لم أخْلِ سبيله، حتى يفيق، فإن وصف الإسلام كانَ مسلماً من حين وصَفَ الإسلام، وإنْ وصَفَ الكفْر، كان كافراً من الآن؛ لأن إسلامه صحَّ، وإنما أحبه استظهاراً، وإذا قلْنا يصحُّ عَوْده إلى الإسلام، فقتله قاتلٌ تعلقٌ بقتله القصاص والضمان، ونقل الإِمام أن بعْض الأصحاب ذكَر قولاً في إهْداره أخْذاً من الخلاف، فيما إذا أسلم أحد أبوي الطِّفلْ بعْد علوقه على الكفْر، ثم بلغ، وقُتِلَ قبل أن يُعْرِب عن نفسه الإسلام، هل يجب الضمان على قاتله؟ والتقريب أن الإسلام الصادر من السكران حُكْمِيٌّ؛ إذ ليس له عقْدٌ صحيح، كما أن الإسلام الحاصلَ