للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحدِّ، وإذا وجب حَدُّ القذف على مريض، قال القاضي ابن كج: يقال للمستحِّق: إما أنْ تَصْبر إلى البرء أو "يَقْتَصِر على الضَّرْب بالعُثْكال"، وفي "التهذيب": أنه يجلد بالسياط سواءٌ كان المرضُ مما يرجَى زواله أو مما لا يرجَى؛ لأن حقوق العباد مبنية علَى التضييق (١)، وجلْدُ الشُّرْب كَجلْدِ الزنا.

قال الغَزَالِيُّ: وَلاَ يُقَامُ الجَلْدُ فِي فَرْطِ الحَرِّ وَالبَرْدِ، وَكَذَا الرَّجْمُ (و) وإنْ كَانَ يُتَوَهَّمُ سُقُوطُهُ برُجُوعِهِ أَوْ تَوْبَتِه بَلْ يُؤَخَّرُ إلَى اعْتِدَالِ الهَوَاءِ، وَهَذَا التأْخِيرُ مُسْتَحَبٌّ وَلَكِنْ إنْ تَرَكَهُ فَهَلَكَ فَالنَّصُّ أَنَّهُ لاَ يَضْمَنُ، وَنَصَّ أَنَّهُ لَوْ خَتَنَ المُمْتَنِعَ عَنِ الخِتَانِ فِي الحَرِّ فَسَرَى ضَمِنَ، وَقِيلَ قَوْلانِ بِالنَّقْلِ وَالتَّخْرِيجِ، وَقِيلَ: إِنَّ الخِتَان فِي الأَصْلِ لَيْسَ إلَى الإِمَامِ فَلِذَلِكَ ضَمِنَ، فَإنْ أَوْجَبْنَا الضَّمَانَ احْتُمِلَ أَنْ يُقَالَ التَّأْخِيرُ وَاجِبٌ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: وكما لا يقَام الجلْدُ في المرض خشيةَ الهلاك بِتَعَاوُنِ الجَلْدِ والمرض، لا يقام في الحَرِّ والبَرْدِ المُفْرِطَيْنِ خشيةَ الهلاك بتعاون الجَلْد والهواء، ولكن يؤخَّر إلى اعتدال الهواءِ، وكذلك القَطْع في السرقة بخلاف القصاص وَحَدِّ القَذف. وأما الرجْم، فإن ثبت بالبينة، لم يؤخَّر؛ لأنه مقتولٌ، وإن كان الزمان معتدلاً، وإن ثبت بالإقرار، فوجهان:

أحدهما: أن الحكْمَ كذلك؛ لثبوت ما يوجب الهلاك.

والثاني: يؤخَّر؛ لأن الرجوع عن الإقرار مقْبولٌ، وقد يَرْجِع بعد تأثير الرميْ فيه، فيُعينُ الهواء على إهلاكه، وفَرقَ صاحب "التهذيب" بينه وبين ما إذا ثبت الرجْم على امرأة بلعان الزوْج، حيث لا يؤخَّر، وإن كان قد يَسْقط بلعانها؛ لأن الرجوع عن الإقْرار مستحبُّ، وإن كان صادقاً في الإقرار ولعان المرأة، بعْد امتناعها عنْه، وهي محقة في الامتناع، غير مستحبٍّ بل غير جائز، فصار كما لو ثبتَ بالبينة، لا يؤخَّر، وإن كان يُتوهَّم سقوطه برجوع الشهود؛ لأنهم إذا كانوا صادِقِينَ، لا يجوز لهم الرجوع، والذي يميل إلَيْه كلامُ أكثرهم أنَّه لا يؤخَّر، وقد صرَّح به مُصرِّحون، والذي أورده صاحب الكتاب: أنه يؤخَّر، وفي المريض قال: يُرْجَم في الحال من غير فَرْق بين أن يثبت بالإقرار أو بالبينة، والخلافُ في الصورتين واحدٌ فَلْيَكُنِ الجوابُ فيهما واحداً.

وقوله "إن كان يُتوهَّم سقوطه برجوعه" يَعْني عن الإقرار، إذا ثبت بالإقرار، وأما قوله "أو بثوبته" فالمقصود منه أنَّا إذا قلْنا: إن الحد يسقط بالتوبة، فقياس التأخير لتوقُّع


(١) قال في المهمات: الصحيح ما قاله في "التهذيب" فقد جزم به المصنف في باب استيفاء القصاص.

<<  <  ج: ص:  >  >>