للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الضمان، احْتُمِلَ أن يقال: التأخير واجبٌ بَعْد ما ذكر أوَّلاً أنه مستحبٌّ إشارةً إلى هذه المباحثة،. والنظْم يُشْعِر بأن الظاهر الاستحبابُ، وفي "المهذَّب" وغيره إطلاقُ القولِ بأنه لا يجوزُ التعجيلُ في شدة الحَرِّ والبردِ، ويجوز أن يقال بوجوب التأخير مع الاختلاف في وجُوب الضمانِ، لو لم يؤَخَّر، كما نقول: يوجب الآحاد تفويضَ إهلاك [الزاني] (١) المحْصَن إلى الإِمام مع الخلاف في وجوب الضمان، لو قتله قاتلٌ، ولم يفوِّض إلى الإِمام، وقوله "ولكن إن تَرَكه" أي ترك الإمامُ التأخير.

والخلافُ في وجوب الضمان، إذا لم يؤخِّر إلى اعتدال الهواء يَجْرِي فيما إذا لم يؤَخِّر جلْدَ المريض إلى أن يَبْرَأَ، فهلَك منه بلا فَرْق.

قال الغَزَالِيُّ: وَأَمَّا مُسْتَوفِي الحَدِّ فَهُوَ الإِمَام في حَقِّ الأَحْرَارِ وَالسَّيِّدُ فِي حَقِّ الرَّقِيقِ الْقِنِّ دُونَ المُكَاتَبِ (و) وَمَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ (و)، وَالمُدَبَّرُ وَأُمُّ الوَلَدِ قِنٌّ، ثُمَّ لِلإِمَامِ الاسْتِيفَاءُ أَيْضاً، فَإنِ اجْتَمَعَ السَّيِّدُ وَالسُّلْطَانُ فَأَيُّهُمَا أَوْلَى فِيهِ احْتِمَالٌ، وَللسَّيِّد أَيْضاً التَّعْزِيرُ، وَهَلْ لِلْمَرْأَةِ وَالفَاسِقِ وَالمُكَاتَبِ اسْتِيفَاءُ الحَدِّ مِنْ عَبِيدِهِمْ فِيهِ خِلاَفٌ مَبنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ بِطَرِيقِ الوِلاَيَةِ وَاسْتِصْلاحَ المِلْكِ، وَإِنْ جَعَلْنَاهُ اسْتِصْلاَحاً لَمْ يَكُنْ لِلْمَالِكِ القَتْلُ فِي الحَدِّ، وَفِي القَطْعِ خِلاَفٌ، ثُمَّ ذَلِكَ كُلُّهُ إِذَا شَاهَدَ السَّيِّدُ زِنَاهُ أَوْ أَقَرَّ، فَإنْ قَامَتْ عِنْدَهُ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ فَفِي سَمَاعِ البَيِّنَةِ وَجْهَانِ، فَإنْ قُلْنَا: يَسْتَقِلُّ بِالحُكْمِ فَلاَ أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَالِماً بأحْكَامٍ الحُدُودِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: فَرَعْنَا مِن أحدِ الفصْلَيْن؛ وهو القول في كيفية الاستيفاء، والفصل الثاني: في المستوفِي والمحدودِ، إمَّا حُرٌّ أو غيره.

أما الحُرُّ، فقد قدَّمنا أن استيفاء حدِّه إلى الإِمام أو مَنْ فوض إليه الإِمام؛ وذلك، لأنه لم يُستوْفَ حدٌّ في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلاَّ بإذنه، وفي عهد الخلفاء الراشدين -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- أجمعين إلاَّ بإذْنهم، وفي "تتمة التتمة" أن الشيخ أبا سعد المتولِّي حَكَى عن رواية القفَّال قولاً: إنه يجوز استيفاؤه [للآحاد] على سبيل الحسبة؛ كالأمر بالمعروف، وأيضاً فقد قال تعالى: {فَاَجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} وهذا الخطاب عامٌّ، ويجوز أن يُعْلَم؛ لهذا قوله في الكتاب " [فهو] الإِمام في حقِّ الأحرار" [بالواو] (٢) وأما غيره، فللسيد أن يقيم الحدَّ على مملوكه، وأن يفوِّضه [إلى غيره]، ولا يحتاجُ فيه إلى مراجعة الإمَام، ولا فَرْقَ في ذلك بين العبد والأمة، وقال ابن القاضي في "المفتاح": في العبد قولان قلته تخريجاً، وكأنه ألحق ذلك بالإجْبار على النِّكَاح، ولم


(١) سقط في ز.
(٢) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>