للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: أن الجواب كذلك؛ لأنه لا يُقْصَد سرقته، فهو كالشيء التافه الذي لا يُقْصَد بالسرقة، وبهذا يقول أبو حنيفة.

وأصحُّهما: أنه يُقْطَع؛ لأنه مال يباع ويبتاع، ويجري الوجهان في سرقة التُّرَاب؛ لأنه لا يُقْصَد سرقته؛ لكثرة وجوده.

ومنْها: يجب القطْع بسرقة المُصْحَف، وكتب التفسير، والحديث، والفقه، وكذا كتب الأشْعار التي يحلُّ الانتفاع بها، وما لا يحلُّ الانتفاع به لا قَطْع في سرقته، إلا أن يبلغ الجلْدُ والقرطاسُ نصاباً، وعند أبي حنيفة: لا قَطْع بسرقة المُصْحَف وسائر الكُتُب، [إن] كان عليها حليةٌ تبلغ نصاباً، فكذلك؛ لأن عنده إذا سَرَقَ ما يُقْطَع فيه، وما لا يُقْطع [فيه] (١) دفعةً واحدةً، لم يُقْطَع.

ومنْها: يجب القطْع بسرقة قُرُون الحَيَوان، وقال أبو حنيفة: لا يجبُ معمولةً كانتْ أو لم تَكُنْ.

قال الغَزَالِيُّ: (الشَّرْطُ السَّادِسُ) كَوْنُه مُحَرَّزاً وَهُوَ مَا عَلَى سَارِقِهِ خَطَرٌ لِكَوْنِهِ مَلْحُوظاً غَيْر مُضَيَّع إمَّا بِلِحَاظٍ دَائِمٍ إنْ لَمْ يَكُنِ المَوْضِعُ حَصِيناً كَالمَتَاعِ الموْضُوع في صَحْرَاءَ أَوْ بِلِحَاظٍ مُعْتادٍ إنْ كَانَ فِي الموْضِعِ حَصَانَةٌ كَالحَوَانِيتِ وَالدُّورِ، والمُحَكَّمُ فِيهِ العُرْفُ، وَفيهِ مَسَائِلٌ: (الأُولَى) الإِصْطَبلُ حِرْزٌ لِلدَّوَابِّ لاَ لِلثِّيابِ، وَعَرَصَةُ الدَّارِ حِرْزٌ لِلأَوَانِيَ وَثيَابِ البَذْلَةِ لاَ لِلنُّقُودِ وَالحُلِيِّ، وَالمُحَرَّزُ مَا لاَ يُعَدُّ صَاحِبُهُ مُضَيِّعاً.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: يشترط لوجُوب القطْع أن تكون السرقةُ مِن الحِرْز، فلا قطْع في سرقة ما لَيْس بمحرَّز، واحتُجَّ له بما رُوِيَ عن عبد اللهِ بن عمرو بن العاص -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لاَ قَطْعَ فِي تَمْرٍ مُعَلَّقِ، وَلاَ فِي حريسة جَبَلٍ، فَإِذَا أَوَاهُ المِرَاحُ أَو الجَرِينُ، فَالْقَطْعُ فِيمَا بَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ" (٢) وحريسة الجبل ما سُرِقَ من الجبل من المواشي، ويقال: إن سارقها يُسمَّى حارساً، اشترط للقَطْع إيَواء المراح والجرين، فدل على أنه لا قطْع فيما لم يحرَّز، ويختلف الحِرْز باختلاف الأحوال والأموال؛ لأن الشرع اعتبر الحِرْز، ولم يبيِّن له حدّاً، [فيرجع] (٣) فيه إلى العرْف؛ كالقبض والتفرُّق عن مكان البيع وإحياءِ المَوَات.

وقوله "وهو ما على سارقه خَطَرٌ" إلى آخره أَشَارَ بِهِ إلى فقْه ذكَره الإمامُ؛ تلخيصُه أن السارق يأخُذ المال في خُفْيَة باختزالٍ واحتيالٍ، لا اعتماداً على الشَّوْكة والقوَّة،


(١) سقط في ز.
(٢) تقدم.
(٣) في ز: فرجع.

<<  <  ج: ص:  >  >>