للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثانية: إن وضع [في القبر شيء] سوَى الكَفَن، هل يتعلَّق القطْع بسرقته؟ قال الإِمام: إن كان القبر في بيت فَبَلِيَ، وإن كان في المقابر فوجهان:

أحدهما: نعم، ويكون محرَّزاً بما يكون الكفَنُ محرَّزاً به.

وأصحهما، وهو الذي أورده أكثرهم: المنع؛ للعادة، ويخالف الكفن؛ فإنَّ الشرع قطَع فيه النباشَ، وجَعَلَه محرَّزاً لضرورة الحاجة إلى التكفين والدفْن، ليبقى مصوناً، وخصَّص الإِمام الوجْه الأوَّل بما إذا كان من جنْس الكفن؛ كثَوْب وُضِعَ فيه، وكما إذا كفن الميت في أكثر من خمسة أثوابٍ، ففي الزيادة على الخمسة التي تَلِي الميتَ الخلافُ، لكن ذلك الوجْه لا يختص بهبة التكفين ولا بجنس الثياب، فإنَّ القاضي الرويانيِّ حكَى في "جمع الجوامع" إجراء الخلاف فيما لو وَضَعَ في القبر مضربةً أو وسادةً للمَيِّت، وعن بعْضهم: أنه أجراه فيما لو دَفَن معه دراهمَ أو دنانيرَ، بل في "الرْقم" للعباديِّ: أن القاضي الحُسَيْن حَكَى عن القفَّال وجوبَ القطْع فيما إذا دفَن [معه] مالاً في بَرِّيَّة تبْعُد الهم والأوهام عن الدفْن فيه، والتابوت الذي يُدْفَن فيه الميت كالأكفان الزائدة، والزيادةُ في الطِّيب على ما يُستحبُّ تطبيب الميت به كسائر الأموال، وعن الماسرجسي: تعلقُّ القطْعِ بالقَدْر المستحَبِّ منه، كالكفن، قال ابن الصبَّاغ: إلا أنه لا يكادُ يجتمع منه ما يبلغ نصاباً.

الثالثة: إذا كفن الميت من تركته، فَلِمَنِ الكفن؟ فيه ثلاثة أوجه:

أصحها: أنه للورثة، كسائر مخلَّفاته، لكن يُقدَّم حق الميت فيه كما يُقدَّم قضاء ديونه، كان كان المِلْك للورثة، وعلى هذا، فلو سرقه أحد الورثة أو ابنُه، فلا قطْع عليه.

والثاني، عن أبَوَيْ عليِّ بن أبي هريرة والطبريِّ: أنه يبقى على ملْك الميِّت؛ لحاجته إليه وانصرافه إلى مصلحته، وإن كان لا يثبُتُ له المِلْك ابتداءً، وهذا كما أنه يبقى الدَّيْن في ذمته، وإن لم يَثْبُتْ عليه ابتداء.

والثالث: أن الملْكَ فيه لله تعالى؛ لأن الوارِث لا يتمكَّن من التصرُّف فيه، والميِّت لا يملك شيئاً، [فإن] قلْنا: إن الملْك فيه للوارِث، فالخَصْمُ في السرقة الوارثُ؛ على ما سيأتي؛ أن السارق يُقْطَع بمطالبة المسروق منه، ومخاصَمَتِهِ، فإن قلنا: إن الملْكَ فيه للميِّت، فعن ابن أبي هريرة: أن الخَصْم فيه الوارثُ أيضاً؛ لأنه القائم مقامه في حقوقه، وقال غيره: الخصْمُ فيه الحاكم والوارثُ لا ينوب عنه فيما لا يملكه، وإلى هذا يرجع ما حُكِيَ عن صاحب "الإفصاح" أن الإِمام يقْطَع ولا حاجة إلى خَصْمٍ، وإنما اعتبر خصومة الحَيِّ؛ لأنه ربما ملَّكه أو أباحَ له أخْذَه، فإذا اعترف به، سَقَطَ الحد، ومثل هذا لا مجالَ له في الكفَن، وإذا قلْنا: إنه لا مالك له، فالأمر فيه إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>