للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثالث: الفرْق بين أن يدْخُل الحرْز على قصْد الرجُوع عن العاريَّة، فلا يُقْطَع، وبين أن يدْخُل على قصد السرقة، ويأخذ المال، فيُقْطَع، كما [أنه] إذا وطئ حربيةً يُفْرَق بين أن يَقْصِد القهْر والاستيلاء، فيملكها، ولا حدَّ عليه، ويثبت النسب، لو أولَدَها، ويين أن لا يقصد ذلك، فعليه الحدُّ، ولا يثبت النسب، [ولو] أعار عبداً لحفْظِ مالٍ أو رَعْي غنم ثم سرَق ممَّا كان يحْفَظُه عبده حكَى الإِمام فيه طريقين:

أحدهما: أن في القطع الخلافَ المذكورَ فيما إذا كان الحِرْزُ مستعاراً.

والثاني: القطْع بالوجوب؛ لأن الإحراز هاهنا بملاحظةِ العبْد، لا بنَفْس العبْد المملوك، ولو أعار قميصاً، فلبسه المستعيرُ، وَطَرَّ المعير جيبه، وأخذ دراهم، وجب عليه القطْع، ولا يكاد يجيء الخلاف فيه، ولو كان الحرْز في يده بغصب، فسَرق مالكُ الحرْزِ منه متاعه، فلا قطْع؛ لأن له الدخول والهجوم عَلَيْه، فلا يكون محرَّزاً عنه، كان سرق منه أجنبيٌّ فوجهان:

أحدهما، ونسبه بعْضُهم إلى النصِّ: أنه يلزمه القطْع؛ لأنه لا حقَّ له فيه، وليس له الدخول.

وأصحُّهما: المنعُ، ولا تكونُ الدارُ المغصوبةُ حرزاً للغاصب؛ لأن [الإحْرَاز] من المنافع، والغاصبُ لا يستحقها، قال الإِمام: ويمكن أن يقْرُب هذا من التردُّد في أن الواحدَ من المسلمين، إذا رأَى عَيْناً مغصوبةً في يدِ غاصبٍ، هل له إزالة يده عنها حسبةً؟ ولو اشترى الحرْزَ، وسرقَ منه قبل القبض مالَ البائعِ، فإن لم يوفِّر الثمَن بعْدُ، وجب القطع؛ لأن له حقَّ الحبس، فأشبه المستأجِرَ، وإن كان قد وفَّر الثمن، فوجهان:

أصحهما: أنه لا يجب، ذكره صاحب "التهذيب" وغيره.

الثانية: إذا غصب مالاً أو سرقة وأحْرَزه في حِرْزِه، فجاء [مالك (١) الحال]، وسرق من ذلك الحِرْز مالاً للسارق أو [الغاصب] (٢)، هل عليه القطْع؟ فيه وجهان:

أظهرهما: لا؛ لأن له أن يَدْخُل الحرْزَ ويَهْتِكَه لأخذ ماله، فالذي يأخذه من الغاصب يأخذه، وهو غَيْر محرَّز عنه.

والثاني: يجب؛ لأنه إذا أخذ مالَ الغاصِب، [غير] عرَفْنَا أنَّه هتك الحرْزَ للسرقة، لا؛ لأخذ مالِه، وخصَّص المخصِّصون للوجهين بما إذا كان مالُ الغاصب متميزاً عن ماله، [فأخذه] وحْده أو مع مال نفسه، فأما إذا كان مخلوطاً به؛ بحيث لا يتميز أحدُهما عن الآخر، فلا قطْع بحال، وهذا تخريج على قوْلنا: إن المال المشتركَ لا يُقْطَع واحدٌ


(١) في أ: ذلك.
(٢) في ز: للغاصبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>