للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويروى أن عَلِيّاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال للجلاَّدِ: "أَعْطِ كُلَّ عُضْوٍ حَقَّه، واتَّقِ الوَجْهَ والمَذَاكِيرَ". وفي الرَّأْسِ وجهان:

أحدهما: أنه يتقي (١) أيضاً، وبه قال أبو حَنِيْفَةَ، واختاره المَاسَرْجِسِيُّ، وابن الصَّبَّاغِ، والروياني؛ لأنه [مَقْتَلٌ، و] (٢) يخاف منه العَمَى.

وأظهرهما: عند أكثرهم -وهو المذكور في الكتاب: المَنْعُ، لما رُوِيَ عن أبي بكر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أنه قال للجلاَّدِ: "اضْرِبِ الرَّأْسِ، فإن الشَّيْطَانَ فيه. ويخالف الوَجْهَ فإنه مَسْتُورٌ بالشَّعَرِ، وغيره غالباً، فلا يُخَافُ من ضربه ما يُخَافُ من ضرب الوَجْهِ.

الثالثة: لا تُشَدُّ يَدُ المجلود (٣)، بل تُتْرَكُ يَدَاهُ مُطْلَقَتَيْن حتى يَتَّقِيَ بهما ولا يُثَلُّ الوَجْهَيْنِ، ولا يُمَدُّ، ولا يُجَرَّدُ عن الثياب، بل يُتْرَك عليه قَمِيصٌ أو قَمِيصَانِ، ولا يترك عليه ما يمنع الأَلَمَ من جُبَّةٍ مَحْشُوَّةٍ، أو فَرْوَةٍ. ويجلد الرَّجُلُ قَائِماً، والمرأة جَالِسَةً، فإنه أَسْتَرُ لها، وتُلَفُّ، أو تُرْبَطُ عليها ثيابها لئلا تَنْكَشِفَ عند الضَّرْب، وَيلِي كَفَّ الثوب عليها امْرَأَةٌ، وأما الجَلْدُ فليس من شَأْنِ النساء [فَيَتَولاَّهُ رَجُلٌ].

الرابعة: يُوَالِي بين الضَّرَبَاتِ، ولا يجوز أن يُفَرِّقَ على الأيَّامِ، فَيضْرِبُ كل يوم سَوْطاً، أو سَوْطَيْنِ؛ لأنه لا يَحْصُلُ به تَنْكِيلٌ، ولا إِيلاَمٌ، ويخالف ما لو حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ فلاناً كذا كذا سَوْطاً، فَفَرَّقَهُ على الأيام، حيث يَبرُّ في يمينه؛ لأن المتبع (٤) هناك مُوجِبُ اللفظ، وفي الحدود والتَّكَالِيفِ يُرَاعَى المَقَاصِد، ولا شك أن (٥) المقصود من الحَدَّ الزَّجْرُ والتَّنْكِيلُ. ولو جُلِدَ في حَدِّ الزنا في يوم خَمْسِينَ وَلاَءَ، وفي يوم [بعده] (٦) خمسين كذلك، أَجْزَأَ عن الحَدِّ، وبم يضبط ما يجوز من (٧) التَّفْرِيقِ، وما لا يجوز.

قال الإِمَامُ: إن كان التَّفْرِيقُ بحيث لا يَحْصُل من كل دفعة أَلَمٌ له وقع كَسَوْطٍ، وسَوْطَيْنِ في كل يوم، فهذا ليس بحَدٍّ، وإن كان يُؤْلِمُ ويُؤَثَّرُ بما له وَقْعٌ، فإن لَم يَتَخَلَّلْ من الزَّمَانِ ما يزول به الألم (٨) [الأول] (٩) اعتدَّ به، وإن تَخَلَّلَ، ففيه تَرَدُّدٌ؛ ظَاهِرُ كَلاَمِ القاضي الاعْتِدَادُ به والأوجه [والأظهر] المَنْعُ؛ لأن المُوَالاَةَ لو عدلت بالأَسْوَاطِ لَبَلَغَ أَثَرُهَا عَدَداً منها صَالِحاً، ففي تَرْكِ المُوَالاَةِ إِسْقَاطُ جُزْءٍ من الحَدِّ، وهذا ما أراد بقوله في الكتاب: "تَفْرِيقاً يقع اللاَّحِقُ بعد زوال ألم السابق".


(١) في ز: يتقيه.
(٢) سقط في ز.
(٣) في ز: المحدود.
(٤) فى ز: المنع.
(٥) في ز: إشكال.
(٦) سقط في ز.
(٧) في ز: بين.
(٨) في ز: الألف.
(٩) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>