للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يكرهه الإِمَامُ عليه، فالقصاص والضمان على الجَلاَّدِ دون الإِمَام؛ لأنه إذا علم الحال، وجب أن يَمْتَنِعُ، ويجيء على قولنا: إن أَمْرَ الإِمام إِكْرَاهٌ أن يكوَن هذا، كما لو أَكْرَهَهُ، فإن أَكْرَهَهُ، فالضَّمَانُ عليهما، وإن اقتضى الحَالُ اقْتِصَاصاً، وجب القِصَاصُ على الإِمام. وفي الجَلاَّدِ قولان، ولو أَمَرَة بضربه، وقال: أنا ظالم [في ضربه،] (١) فضربه الجلاد ومات.

قال في "التهذيب": إن قلنا: أَمْرُ السلطان ليس بإكراه، فالضَّمَانُ على الجَلاَّدِ.

وإن قلنا: إِكْرَاهٌ، فإن قلنا: لا ضَمَانَ على المُكْرِهِ، فالضَّمَانُ على الإِمَامِ، وإن قال: افعل إن شئت لم يكن إِكْرَاهاً لاَ مَحَالَةَ.

وإن قال: [اضرب] (٢) ما شِئْتَ، أو ما أَحْبَبْتَ، لم يكن له الزِّيَادَةُ على الحَدِّ، فإن زَادَ ضَمِنَ. ولو أمره بقتل في مَحلِّ الاجتهاد كَقَتْلِ المسلم بالذِّمِّيِّ، والحر بالعبد، والإمام والجلاد يَعْتَقِدَانِ أنه غير جَائِزٍ، فقتله.

قال في "التهذيب": عليهما القَوَدُ إن جعلنا أَمْرَ السلطان إِكْرَاهاً، وأوجبنا القَوَدَ على المُكْرِهِ، والمُكْرَهِ جميعاً. ولو كان الجَلاَّدُ يعتقد [مَنْعَهُ]، (٣)، والإمام يُجَوِّزُهُ؛ كالجَلاَّدِ الشَّافعي يقتل الحر بالعَبْدِ بإذْنِ الإِمام الحَنَفِيِّ، أَو ظَنَّ أن الإِمَامَ اخْتَارَ ذلك المَذْهَبَ، ورجع إليه، فَفِي وجوب القِصَاصِ، والضَّمَانِ على الجلاد وجهان:

أحدهما: المنع؛ اعْتِبَاراً باعتقاد الإِمَامِ.

وأَرْجَحُهُمَا عند الإِمام، ولم يُورِد ابْنُ الصَّبَّاغِ، وصاحب "التهذيب" غيره الوُجُوب؛ لأنه إذا لم يعتقد جَوَازَهُ، فحقه الامْتِنَاعُ، وإن فرض إِكْرَاهٌ لم يَخْفَ الحُكْمُ وذكر الإِمام أنه إن كان لا يبعد أن يُدْرَأَ (٤) القِصَاصُ؛ لاعتقاد الإِمام وَيثْبُت المَالُ والكَفَّارَةُ، فإن الذي ذكروه ينتج كَلاَماً في أن الجَلاَّدَ هل له أن يُخَالِفَ اعْتِقَادَ نَفْسِهِ، ويتبع اعتقاد الإِمام؟

وإن هذا الخِلاَفَ يُنَاظِرُ الخِلاَفَ في أن القَاضِيَ الحَنَفِيَّ إذا قَضى للشافعي (٥) بِشُفْعَةِ الجَارِّ، وبالتوريث بالرحِمِ، والرَّدِّ، هل يحل للمقضى له؟

قال: والوَجْهُ عندنا القَطْعُ بأنه لا يَحِلُّ أن يأخذ ما يُخَالِفُ مُعْتَقَدَهُ، ورد الخلاف إلى أنه هل يمنعُ من ذلك ظاهراً؟


(١) سقط في ز.
(٢) سقط في ز.
(٣) سقط في ز.
(٤) في ز: فدل.
(٥) في ز: للحنفي.

<<  <  ج: ص:  >  >>