وقوله:"لأن شَهْرَ السلاح في الحِسْبَةِ إلى السلطان" -أي ينبغي أن يكون هكذا لأنه خطر محرك للفتن. وقوله:"قيل: يجب" كذلك ذكر هاهنا، وفي "الوسيط"، وصاحب "النهاية" لم يتعرض للوجوب، وإنما حَكَى اختلاف الأصوليين والفقهاء في الجواز وعَدَمِهِ. [والله أعلم].
قَالَ الرَّافِعِيُّ: يجب على المَصُولِ عليه رِعايَةُ التدريج، والدفع بالأَهْوَنِ (١) فالأهون، فإن أمكنه الدَّفْعُ بالكلام، أو الصِّيَاحِ، أو الاستغاثة بالناس لم يكن له الضَّرْب، وكذا لو اندفع شَرُّهُ بأن وقع في مَاءٍ أو نار، أو من شاهق فانكسرت رجله، لم يضربه، وكذا لو كان بينهما حَائِلٌ من جدار، أو خَنْدَق، أو نهر عظيم، ولو كان النهر صَغِيراً، وغلب على ظنه أنه إن عَبَرَ إليه غَلَبَهُ، ففي "الشامل" أن له رَمْيُهُ، ومنعه من العبور.
وإذا لم يندفع إلا بالضرب فله الضرب، وراعى فيه الترتيب أَيْضاً فإن أَمْكَنَ [باليد، لم يضربه بسوط، وإن أمكن] بالسَّوْطِ لم يجز العُدُولُ إلى العَصَا، وعلى هذا فلو أَمْكَنَ دفعه بِقَطْعِ عضو، لم يكن له إِهْلاَكُهُ، ولو اندفع بِدَرَجَةٍ نازلة، فدفعه بما فوقها، ضمن، وكذا لو هَرَبَ فاتبعه وضربه، فمات، ولو ضربه ضربة، فَوَلَّى هارباً أو سقط، وبطل صِيَالُهُ، فضربه أخرى، فالثانية مَضْمُونَةٌ بالقصاص وغيره، فإن مات منهما لم يجب قِصَاصُ النفس، ووجب نِصْفُ الدية؛ لأن الهلاك حَصَلَ من مضمون وغير مضمون، ولو عاد بعد الجِرَاحَتَيْن إلى الصِّيَال فضربه، ضربة ثالثة، فمات منها، فَعَلَيْهِ ثُلُثَا الدِّيَةِ، ومهما غَلَبَ على ظَنِّهِ أن الذي أقبل عليه بالسَّيْف يقصده، فله دَفْعُهُ بما يمكنه، وإن لم يضربه المقبل إذا تَقَرَّرَ ذلك، ففي الفَصْلِ ثلاث صور:
إحداها: إذا وجد رجلاً يزني بامْرَأَتِهِ، أَو غَيْرها، فعليه دفعه، ومنعه، فإن هَلَكَ في الدفع، فلا شَيْءَ عليه، وإن اندفع بضرب وغيره، ثم قتله فعليه القِصَاصُ إن لم يكن الزَّانِي مُحْصَناً. وإن كان محصناً فلا قِصَاصَ عليه.
(١) محل ذلك إذا كان الصائل معصوماً كما قاله الشيخ البلقيني وغيره فإن لم يكن معصوماً كالحربي والمرتد فلا يجب عليه مراعاة الأخف.