للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسَّارِقُ إذا أخرج مَتَاعَهُ من الحِرْزِ، وألقاه وهرب، لم يكن له أن يتبعه، فيضر به، فإن تبعه، وقطع يَدَهُ التي يوجب قَطْعهَا بالسرقة، فلا قِصَاصَ؛ لأنها مستحقة الإِزَالَةِ، وكذا في قطع الطريق، إذا قطع قَاطِعٌ ما وجب قطعه منه لا قصاص عليه لكن يعزر بالافتئات على الإمَامِ، ويجيء في وجوب القِصَاصِ الخلاف الذي سبق في قَتْلِ الزاني المُحْصَنِ، ولو وجب الجَلْدُ على زان، فجلده وَاحِدٌ من عرض الناس لم يقع حداً، ولزمه الضمان لأن الجلد يختلف وَقْعاً ومَحلّاً، فلا يقع حَدّاً إلا بإذْنِ الإِمام وَنَظرِهِ، بخلاف القطع.

وفي "تعليقه" إبراهيم المروروذي ذِكْرُ وجهين، فيما إذا جَلَدَ رَجُلاً ثمانين، ثم قال: إنه كان قَذَفَنِي، وأقام عليه بَيِّنَةً، هل يحسب ذلك عن الحَدِّ، ويبنى على الوجهين [في] أنه إذا عَاشَ هل يُعَادُ الحد [و] (١) إذا مات هل يَجِبُ على الضارب القِصَاصُ.

ويمكن أن يعلم قوله في الكتاب: "إن لم يكن الزَّانِي مُحْصناً" بالواو: لأنه مذكور قيداً لوجوب بالقِصَاص، وعلى القول الذي يوجب القصاص بقتل الزاني المُحْصَنِ لا يحتاج إلى هذا القَيْدِ.

الصورة الثانية: لو قدر المَصُولُ (٢) عليه على الهَرْبِ هل يَلْزَمُهُ ذلك أم له أن يثبت ويقاتل؟ حكى فيه اختلاف نَصٍّ. وعن الأصحاب طريقان:

أظهرهما: أن في المسألة قولين:

أحدهما: أنه لا [يجب] (٣) الهَرَبُ؛ لأَن إِقَامَتُهُ في ذلك المَوْضِعِ جَائِزَةٌ، فلا يُكَلَّفُ الانصراف.

والثاني: يجب؛ لأنه مَأْمُورٌ بأن يخلص نَفْسَهُ بالأهون فالأهون، والهرب أَهْوَنُ، وبنى بعض من أَثْبَتَ الخِلاَفَ على أنه هل يَجِبُ عليه الدَّفْعُ عن نفسه؟

إن قلنا: نعم؛ لَزِمَة الهَرَبُ، وإلا فلا، لكن قد مَرّ أن الأظهر أنه لا يجب الدفع، ويجوز الاستسلام، وهاهنا رَجَّحُوا وجوب الهَرَبِ؛ مُحَافَظَةً على التدريج في الدفع.

والطريق الثاني: نَفْيُ الخلاف، وحمل نص الهرب على ما إذا تيقن النجاة بالهَربِ. والنص الآخر على ما إذا لم يتيقن، ولو قدر [على] (٤) التحصين بموضع حَصِينٍ، أو على الالْتِجَاءِ إلى فِئَةٍ، فهو كما لو قدر على الهَرَبِ.

الثالثة: إذا عَضّ إنسان يَدَهُ، أو عضواً آخر، [خَلَّصَ] (٥) عضوه بأيسر (٦) ما يقدر


(١) سقط في ز.
(٢) في ز: الموصول.
(٣) في ز: يلزمه.
(٤) سقط في ز.
(٥) سقط في ز.
(٦) في ز: باشر.

<<  <  ج: ص:  >  >>