للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٦٧] أن ذلك كان يوم "بدر"، وفي المسلمين قِلِّةٌ، فَلَمَّا كثروا واشْتَدَّ سُلْطَانُهُمْ أنزل اللهُ تعالى في الأَسْرَى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: ٤] فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين بالخِيَارِ فيهم، إن شَاؤوا قَتَلُوهُمْ، وان شاؤوا اسْتَعْبَدُوهُمْ، وإن شاؤوا أَفَادُوهُمْ؛ أطلق ولم يُفَرِّقْ بين كَافِرٍ وكافر، وبأنَّ من جَازَ أن يَمُنَّ يَمُنُّ عليه ويُفَادِي، جاز أن يسترق كالعَانِي، ولا فَرْقَ أَيضاً بين أن يكون الكَافِرُ من العَرَب أو غيرهم على الجديد الصحيح، ووجه بما رَوَيْنَاه عن ابن عَبَّاسٍ -رضي الله عنه- وبَأنَّ مَنْ جَازَ المَنُّ عليه، ومُفَادَاتُهُ، يجوز اسْتِرقَاقُهُ لغير العرب.

وعن "القديم": أنَّهُ لا يجوز اسْتِرقَاقُ العَرَب؛ لما روي عن مُعَاذٍ -رضي الله عنه- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال يوم حُنَيْنٍ: "لَوْ كَانَ الاسْتِرْقاق ثَابِتًا عَلَى الْعَرَبِ لَكَانَ الْيَوْمَ؛ إِنَّمَا هُوَ إِسَارٌ وفِدَاءٌ" (١)، فعلى هذا يكون الخِيَارُ من ثلاثة أمور:

الْقَتْلُ والْمَنُّ والفِدَاءُ، وكذلك على وجه الإصْطَخْرِي في الوَثَنِيِّ، وهل يجوز أن يَسْترِقَّ بَعْضَ الشخص؟ فيه وجهان، بِنَاءً على القَولين، في أنَّ أَحَدَ الشريكين إذا أَوْلَدَ الجَارِيَةَ المشتركة وهو مُعْسِرٌ، يكون الوَلَدُ كُلُّهُ حُرًّا، أَو يكون بِقَدْرِ نَصِيبِ الشريك رَقِيقًا، والأَقْيَسُ على ما ذكره الإِمَامُ وغيره جَوَازُ إِرقَاقِ بَعْضِ الشخصَ قال في "التهذيب": وإن لم نُجَوِّزْ، فإذا ضُرِبَ الرِقُّ على بعضه رُقَّ الكُلُّ، وكان يَجُوزُ أن يُقَالَ: لا يُرَقُّ شَيْءٌ.

وإن اخْتَارَ الفِدَاءَ يجوز بالمَالِ، سِلاَحًا كان أو غيره، ويجوز أن يفدى بأسَارَى المُسْلِمِينَ، فيردّ مشركاً بمسلم، أو مسلمين أو مشركين بمسلم، ويَجُوزُ أَنْ نَفْدِيَهُمْ بِأسْلِحَتِنَا في أيديهم، ولا يَجُوزُ أن ترد أسلحتهم في أيدينا. بمال يَبْذُلُونَهُ، كما لا يَجُوزُ بَيْعُ السِّلاحَ منهم، وفي جَوَازِ رَدِّهَا بِأُسَارَى المسلمين وَجُهَان:

ولو قتل مُسْلِمٌ أِو ذِمِّيٌّ الأسِيرَ قبل أن يَرَى الإِمَامُ رَأْيَهُ فيه، عُزِّرَ، ولكن لا قِصَاصَ ولا دِيَةَ؛ لأنَّهُ لا أَمَانَ له، وهو حُرٌّ إلى أن يُسْتَرَقَّ، ولذلك يَجُوزُ أن يُخَلَّى سبيله، والأَمْوَالُ لا تُرَدُّ إليهم بَعْدَ الاغْتِنَام، ولو وقع في الأسْرِ امْرَأَةٌ أو صَبِيٌّ، فقتل وَجَبَتِ القِيمَةُ، لأَنَّهُ صار مَالاً بِنَفْسِ الأَسْرِ، ثُمَّ إن سُبِيَ الصَّبيُّ مُنْفَرِدًا، فهو محكوم بِإِسْلاَمِهِ تبعاً للسَّابي، ففيه قِيمَةُ عبد مُسْلِمٍ، وإن كان قَاتِلُهُ عَبْدًا، فعليه القصَاصُ، وعلى


(١) قال الحافظ: ذكر البيهقي أن الشَّافعي ذكره في القديم من حديث معاذ بن جبل، عن الواقدي عن موسى بن محمَّد بن إبراهيم التيمي عن أبيه، عن السلولي عن معاذ، وأخرجه البيهقي من طريق الواقدي أيضاً، ورواه الطبراني في الكبير من طريق أخرى فيها يزيد بن عياض؛ وهو أشد ضعفاً من الواقدي.

<<  <  ج: ص:  >  >>