للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمقصود بَيَانُ موضع جَوَازِهِ، وإن احتاج المسلمون إلى إِهْلاَكِ مَالٍ لهم، كَتَخْرِيبِ بِنَاءٍ، وقَطْعِ شَجَرٍ لِيَتَمَكَّنُوا من القِتَالِ، أو لِيَظْفَرُوا بهم، فلهم إِهْلاَكُهُ؛ لما روي عن ابنَ عُمَرَ -رضي الله عنه- أَنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قَطَعَ نَخْلَ بني النَّضِيرِ وحَرَّقَ عليهم (١)، وفي ذلك نَزَلَ قوله تعالى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا} [الحشر: ٥] الآية وأَنَّهُ قطع على أَهْلِ "الطَّائف" كَرْمَهُمْ (٢)، وذُكِرَ أَنَّهُ كان آخر غَزَوَاتِهِ، وإن لم يَحْتَاجُوا إليه، نظِرَ إن لم يَغْلِبْ على الظَّنِّ حُصُولُ ذلك المَالِ لِلْمُسْلِمِينَ، جاز إهلاكه مُغَايَظَةً لهم، وتَشْدِيدًا عليهم، وإن غَلَبَ على الظَّنِّ حُصُولُهُ لهم، ففيه وَجْهَانِ، حكاهما في "المُهَذَّبِ":

وجه المنع ما روي أَنَّ أَبَا بَكْرٍ -رضي الله عنه- نَهَى عنه (٣).

وعن الشَّيْخِ أبي حَامِدٍ إِطْلاَقُ القَوْلِ بالجَوَازِ، والأولى تَرْكُهُ بلا خِلاَفٍ، وهذا إذا دَخَلَ الإمَامُ بلاَدَهُمْ مُغيرًا، ولم يمكنه الاسْتِقْرَارُ فيها, فَأمَّا إذا فَتَحَهَا، وَقَهَرَ أَهْلَهَا، فلا يجوز القَطْعُ والتخريبُ [لأنه صارت غَنِيمَةٌ للمسلمين، وكذا لا يَجُوزُ القَطْعُ والتَّخْرِيب] (٤) إذا فتحها صُلْحًا على أن يكون لهم أَوْ لَنَا.

ولو غَنِمْنَا أَمْوَالَهُم وانصرفنا وَخِفْنَا الاسْتِرْدَادَ، جاز إهْلاَكُهَا لئلا يَغْلِبُوا عليها وَيَتَقَوَّوْا بها، هذا حُكْمُ غير الحَيَوَانِ.

وأمَّا الحَيَوَانُ، فإذا كانوا يُقَاتِلُوننا على الخُيُولِ، واحتجنا إلى عَقْرِهَا لِدَفْعِهِمْ والظَّفَرِ بهم، جَازَ ذلك، فَإِنَّهَا كَأدَاةِ الِقتَالِ.

ويُرْوَى أَن حَنْظَلَةَ بْنَ الرَّاهِب -رضي الله عنه- عَقَرَ بأبي سفيان فَرَسَهُ يوم "أُحُدٍ" فَسَقَطَ، فجلس حَنْظَلَةُ على صَدْرِهِ لِيَذْبَحَهُ، فجاء ابن شعوب فقتل حَنْظَلَةَ -رضي الله عنه- واسْتَنْقَذَ أبا سفيان، ولم يُنْكِرْ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- فِعْلَ حَنْظَلَةَ (٥) -رضي الله عنه-


(١) تقدم.
(٢) رواه ابن إسحاق في المغازي: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سار إلى الطائف، فأمر بقصر مالك بن عوف فهدم وأمر بقطع الأعناب، ورواه أبو الأسود عن عروة قال: نزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسلم بالأكمة عند حصن الطائف، فحاصرهم، وقطع المسلمون شيئاً من كروم ثقيف ليغيظوهم رواه البيهقي [٩/ ٨٤] ورواه أيضاً من حديث موسى بن عقبة في المغازي.
(٣) أخرجه البيهقي من حديث يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي بكر مطولاً، وروي عن أحمد أنه أنكره، ورواه مالك [١/ ٢٩٧ - ٢٩٨] في الموطإ عن يحيى بن سعيد أن أبا بكر نحوه، ورواه سيف في الفتوح من وجه آخر عن الحسن بن أبي الحسن مرسلاً أيضاً. قاله الحافظ.
(٤) سقط من: ز.
(٥) أخرجه البيهقي من طريق الشَّافعي بغير إسناد، وقد ذكره الواقدي في المغازي عن شيوخه، فذكره مطولاً، وذكره ابن إسحاق في المغازي دون ذكر العقر.

<<  <  ج: ص:  >  >>