للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الرَّافِعِيُّ: التسمِيَةُ عند الذَّبْح، وعند الرَّمْي إلى الصيدِ، وإرسالِ الكلْبِ مُسْتَحَبَّةٌ، فلو تركَهَا عامِدًا، أو ناسِيًا -لمَ تُحَرَّمُ الذَّبيحةُ، لكن تركُهَا عامِدًا مكروهٌ. وفي "تعليق الشيخ أَبِي حَامِدٍ". أنَّه يأثَمُ به وساعدنا مالكٌ على أَنَّ متروكَ التسميةِ حلالٌ.

وقال أبُو حنيفةَ: إنْ تركَهَا عَمْداً لم تحلَّ، وإن نَسِيَ حلّ.

وعن أَحْمَد روايتانِ في الصيدِ.

إحْدَاهُما: كمذهَبِنا، والأُخْرَى كمذهب أَبِي حَنِيفةَ.

والثالثُ: أنَّه لا يحلُّ سواء تركهَا عمْدًا أو سَهْوًا.

الرَّابِعَةُ: أنها لا تلزمُ في الرمْي، وتلزم في إرسالِ الجوارحِ وأمَّا في الذَّكاةِ فعنده إنْ تركَ ناسِيًا حلَّ، وإنْ كانَ عامدًا ففَيه رِوَايتَانِ.

لنا ما رُوِيَ عن عائِشَة -رضي الله عنه- وأنَّ قوماً قالوا: يا رسولَ الله، إنَّ هنا أقوامًا حديثُ عهد بالشركِ يأتونَنَا بِلُحْمَان لا ندرِي أيذكرُون اسمَ الله عليْهَا أم لاَ؟ فقالَ -صلى الله عليه وسلم- "اذكُرُوا اسْم اللهِ وَكُلُوا" (١) ولو كانَت التسميةُ شرطاً للحِلّ لما ثبت الحلُّ عند الشكِّ فيهَا.

وعن البَرَاءِ بْنِ عَازب -رضي الله عنه- أنَّ النَبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "المسلمُ يذبَحُ على

اسْمِ الله سَمَّى أو لمَ يُسَمِّ (٢) ": وحُمِل لذلك قولُه تعالَى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: ١٢١] على ما ذُكِرَ عليه اسمُ غَيْرِ الله. واعلم لما ذكره: قوله في الكتاب: "وَلاَ يُشْتَرَطُ" بالحَاءِ والأَلِفِ، وهل يتأدى للاستحباب التسمِيةُ عند عضِّ الكلْبِ، وإصَابةِ السَّهْمِ؟ فيه وَجْهَانِ نُسِبَا إلى الشيخ أَبِي مُحَمَّدٍ.

أَحدُهمَا: لاَ؛ لأنَّها لم تَتَّصِلْ بابتداءِ الاسْتعمالِ.

وأَشْبهُهُمَا: نَعَمْ. لاِتِّصالِهَا بالحالةِ التي نالت الآلةُ الصيدَ كَالاتِّصالِ بحالةِ إِمْرارِ السكينِ على الحلْقِ، وهذا في تأدي الاستحباب بِكَماله، فأمَّا أصلُ الاستحبابِ عند الإِصَابةِ.


(١) أخرجه البخاري (٢٠٥٧، ٥٥٠٧، ٧٣٩٨).
(٢) لم أره من حديث البراء، وزعم الغزالي في الأحياء أنه حديث صحيح، وروى أبو داود في المراسيل من جهة ثور بن يزيد عن الصلت رفعه: ذبيحة المسلم حلال، ذكر اسم الله أو لم يذكر؛ لأنه إن ذكر لم يذكر إلا اسم الله، وهو مرسل، ورواه البيهقي [٩/ ٢٣٩ - ٢٤٠] من حديث ابن عباس موصولاً، وفي إسناد ضعف، وأعله ابن الجوزي بمعقل بن عبيد الله، فزعم أنه مجهول، فأخطأ: بل هو ثقة من رجال مسلم، لكن قال البيهقي: الأصح وقفه على ابن عباس، وقد صححه ابن السكن، وقال: وروي عن أبي هريرة وهو منكر، أخرجه الدارقطني [٤/ ٢٩٥ - ٢٩٦] وفيه مروان بن سالم وهو ضعيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>