للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى المُسْلِمِينَ، فقَالَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- "إِنَّ حَقّاً عَلَى اللهِ ألاَّ يَرْفَعَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا إلاَّ وَضَعَهُ" (١) وعن سلمة بن الأكْوَعِ، قال: خَرَجَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى قوْمٍ مِنْ أَسْلَمَ يَتَنَاضَلُونَ بِالسُّيُوفِ، فَقَالَ: "ارْمُوا بَنِي إسْمَاعِيلَ، فَإنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِياً" (٢) وأيضاً، فإن الرماية والفروسية أدبان مستحسنان، وأبلغ ما يفيد تعِلّمه والمهارة فيه المسابقةُ والمناضلةُ، قال الله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: ٦] قال عُقْبَة بنُ عامر: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "أَلاَ إِنَّ الْقوَّةَ الرَّمْيُ" (٣) ويجوزُ شرط المال في المسابقة والمناضلة؛ لما رُوِيَ بن أَبِي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لاَ سَبَقَ إِلاَّ في نَصْلٍ أَوْ خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ" (٤) والأَثْبَتُ في الرواية "السَّبَقُ" بفتح الباء، وهو المال الذي يُدْفَع إلى السابق ويُرْوَى؛ "السَّبْقُ" بالتسكين، وهو مصدر سَبَقَ يَسْبِقُ، ويروى أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "رِهَانُ الخَيْلِ طَلْقٌ" (٥) أي حلال.

وعن عثمان -رضي الله عنه- أَنَّهُ قِيلَ له: أَكُنْتُنمْ تُرَاهِنُونَ عَلَى عَهْدِ رَسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: نَعَمْ" (٦) ولم يجوز أبو حنيفة شَرْطَ المال فيهما، ورآه قِماراً، هذه رواية،


(١) أخرجه البخاري (٣٨٩٩ - ٣٣٧٣ - ٣٥٠٧).
(٢) أخرجه البخاري ومسلم.
(٣) رواه الحاكم وأصله في الصحيحين.
(٤) رواه أحمد [٣٥٠٧] وأصحاب السنن أبو داود [٢٥٧٤] الترمذي [١٧٠٠] والنسائي [٦/ ٢٢٦] ابن ماجه [٢٨٧٨] رواه أحمد [٢/ ٢٥٦، ٣٥٨ - ٤٢٥ - ٤٧٤] والشافعي [١١٨٧] رواه ابن حبان [١٦٣٨ موارد] والحاكم من طرق، وصححه ابن القطان وابن دقيق العيد، وأعل الدارقطني بعضها بالوقف، ورواه الطبراني وأبو الشيخ من حديث ابن عباس (تنبيه) قوله: لا سبق هو بفتح السين والباء الموحدة مفتوحة أيضاً، ما يجعل للسابق على سبقه من جعل، قاله الخطابي وابن الصلاح، وحكى ابن دريد فيه الوجهين.
(٥) رواه أبو نعيم في معرفة الصحابة من طريق يزيد بن عبد الرحمن عن يحيى بن إسحاق بن عبد الله ابن أبي طلحة، عن أمه حميدة أو عبيدة عن أبيها بهذا، قال أبو نعيم: اسم أبيها رفاعة بن رافع.
(٦) قال الحافظ في التلخيص: لم أره من حديث عثمان، ورواه البيهقي من طريق سليمان: حرب عن حماد بن زيد، أو سعيد بن زيد عن واصل مولى أبي عيينة: حدثني موسى بن عبيد قال: كنا في الحجر بعدما صلينا الغداة. فلما أسفرنا إذا فينا عبد الله بن عمر. فجعل يستقرينا رجلاً رجلاً، يقول: صليت يا فلان، قال: يقول هاهنا، حتى أتى علي، فقال: أين صليت يا ابن عبيد؟ قلت: هاهنا، فقال: بخ بخ، ما نعلم صلاة أفضل عند الله من صلاة الصبح جماعة يوم الجمعة. فسألوه أكنتم تراهنون على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: نعم، لقد راهن على فرس يقال لها سبحة، فجاءت سابقة، ورواه أحمد والدارمي والدارقطني والبيهقي من حديث أبي لبيد، أتينا أنس بن مالك فقلنا: أكنتم تراهنون على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: نعم، لقد راهن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على فرس يقال لها سبحة، جاءت سابقة، فبهش لذلك، وأعجبه، قوله: سبحة من قولهم فرس سباح إذا كان حسن مد اليدين في الجري، وقوله فبهش بالباء الموحدة والشين المعجمة، أي هش وفرح.

<<  <  ج: ص:  >  >>