عليَّ أن أتصدق بمالي، أو أنفقه في سبيل الله، وإلا، فلا حكْمَ له، وعن الشيخ أبي محمَّد -رحمه الله-: فيه وجهان:
أحدهما: أنه كما لو قال: عليَّ أن أتصدَّق بمالي، فيلزمه التصدُّق.
والثاني: أن ماله يصير بهذه اللفظة صدَقةً، كما لو قال: جعلت هذه الشاة ضحيَّةً وخرَّج الإمامُ وصاحبُ الكتاب -رحمهم الله- على هذا الوجْهِ ما إذا قال: إن فعلتُ كذا فما لي، صدقةٌ، والمعتمد الذي نقله الجمهورُ -رحمهم الله- ونص عليه الشَّافعيُّ -رضي الله عنه- أنه إذا قال: إن كلَّمتُ فلاناً أو فعلْتُ كذا، فمالي صدقةٌ، فهو بمثابة قوله: فعليَّ أن أتصدَّق بمالي أو بجميع مالٍ؛ لأنه الذي يسبق إلى الفَهْم من هذه اللفظة، وحينئذٍ، فطريق الوفاء أن يتصدَّق بجميع أمواله، وإذا قال: في سبيل اللهِ، يتصدَّق بجميع أمواله على الغُزَاة، كما لو قال: إن شفَى اللهُ مريضي، أو رجع غائِبِي، فلله عليَّ التصدُّق بجميع مالٍ، فشُفِي، وقال أبو حنيفة: عليه أن يتصدَّق بأمواله الزكاتية دون غيرها، فإن لم يكن له إلا المالُ الزكاتيُّ، أمسكَ قدْر النفقة، فإذا أيسر، أخرج بدَلَه، وقال مالكٌ: يلزمه أن يتصدَّق بثلث ماله، ويكفيه ذلك، وهذه رواية عن أحمد -رحمه الله-.
واعلمْ أن الصيغة قد تتردَّد، ويحتمل نذر التبرُّر ونذْر اللَّجَاجِ، والرجوع فيه إلى قصد الشخْص وإرادته، وفرَقُوا بينهما بأنه في نذْر التبرُّر يرغب في السبَبِ، وهو شفاء المريض مثلاً بالتزام المسبَّب، وهو القربة المسمَّاة، وفي نذْر اللَّجاج يرغب عن السبب؛ لكراهية الملتَزَم، وذكر الأصحاب في ضبطه: أن الفعل إما طاعةٌ أو معصيةٌ، أو مباحٌ، والالتزام في كل واحد منهما تارةً يعلَّق بالإِثبات، وأخرَى بالنفي، أمَّا في الطاعة، ففي طرف الإثبات يتصوَّر نذر التبرر؛ بأن يقول: إن صليتُ، فلله عليَّ صوم يوم، أي: إن وفقني الله للصلاةِ، صمْتُ، فإذا وفَّق لها, لزمه الصوم، ونذْرُ اللَّجاج؛ بأن يُقال له صلِّ، فيقول لا أصلِّي، وإن صلَّيتْ فعلي صومٌ أو عِتْقٌ، ففيما يلزمه، إذا صلى الأقوال، وفي طرف النفي لا يتصوَّر نذر التبرُّر؛ لأنه لا برَّ في ترك الطاعة ويدخُله نذْر اللَّجاج؛ بأن يمنع من الصلاة، فيقول: إن لم أصلِّ، فلله عليَّ كذا، فإذ لم يصلِّ، ففيما يلزمه الأقوال، وأما المعصيةُ، ففي طرف النْفِي يتصوَّر نذر التبرر؛ بأن يقول: إن لم أشرب الخمر، فعلَيَّ كذا، يريد؛ إن عصمني الله عنه ونذر اللجاج؛ بأن يمنع من شربها، فيقول: إن لم أشرْب، فلله عليَّ عتق أو صدقة وفي طرف الإِثبات، لا يتصوَّر إلا نذْر اللَّجاج؛ بأن يؤمر بالشرب، فيقول: إن شربت فلِلَّه عليَّ كَذا، وأما المباحُ فيُتصور في طرفي النفْي والإِثبات فيه النوعان معاً، فالتبرُّر في الإثبات مثل أن يقول: إن أكلتُ كذا، فلله على صوم، يريد إن يسَّره الله لِي، ونذر اللَجاج بأن يؤمر بأكله،