وقال في "النهاية": ورأيت في أدراج كلام الأئمة تردداً في ذلك، والظاهر أنه إذا أراد أن يسجد، قلنا: له سَلِّمْ مرة أخرى؛ لأن ذلك السلام غير معتد به، فإنك لو أردت أن تسجد لحكمنا بأنك في الصلاة، وهذا يوجب أن يكون قوله:(فقد جرى السلام محللاً) معلماً بالواو، وإن أراد أن يسجد فقد حكى إمام الحرمين فيه وجهين:
أحدهما: لا يسجد؛ لأن السلام ركن جرى في محله، والسجود يجوز تركه قصداً، فلو قلنا: يسجد لاحتجنا إلى إخراج السلام عن الاعتداد به، فإنا نفرع على أن محل السجود قبل السلام، وذلك مما لا وجه له، وإلى هذا الوجه مال الإمام وصاحب الكتاب في "الفتاوى".
والثاني: أنه يسجد، وبه قطع الجمهور، ونَصَّ عليه الشافعي -رضي الله عنه- لأن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا وَسَلَّمَ، فَقِيل لَهُ فِي ذَلِكَ فَسَجَدَ لِلسَّهْوِ"، وإذا قلنا: إنه يسجد هاهنا -وهو الصحيح- أو قلنا: يسجد إذا طال الفصل تفريعاً على القديم فقد اختلفوا في أنه هل يعود إلى حكم الصلاة على وجهين:
أحدهما: لا؛ لأن التحلل قد حصل بالسَّلام بدليل أنه لا يجب إعادة السلام والعود إلى الصلاة، وهذا أرجح عند صاحب "التهذيب".
والثاني: أنه يعود إلى حُكْم الصَّلاَةِ، وبه قال أبو زيد، وذكر القفال أنه الصحيح، وتابعهما إمام الحرمين، والمصنف قطع في "الفتاوى" بذلك إذا قلنا: إنه يسجد، وهكذا ذكر القاضي الروياني وغيره، ووجهه أنه سلم ناسياً لسهوه ولو كان ذاكراً لما سلم لرغبته في السجود، وعلمه بأن محل السجود قبل السَّلام؛ فالنسيان يخرجه عن كونه محللاً كما يخرجه عن كونه محللاً إذا سلم ناسياً لركن ثم تذكر، ويتفرع على الوجهين مسائل:
منها: لو تكلم عامداً، أو أحدث في السجود بطلت صلاته على الوجه الثاني؛ وعلى الأول لا تبطل.
ومنها: لو كان السَّهْوُ في صَلاَة جُمعَةٍ وخرج وقت الظهر في السجود فاتت الجمعة على الوجه الثاني، وعلى الأول: لا.
ومنها: لو كان مسافراً يقصر ونوى الإتمام في السجود لزمه الإتمام على الثاني، وعلى الأول: لا.
ومنها: هل يكبِّر للافتتاح؟ وهل يتشهد؟ (١) إن قلنا بالوجه الثاني فلا يفعل ذلك،
(١) اختلف العلماء في سجود السهو هل يتعقبه تشهد وسلام أم لا؟ أم أحدهما؟ وهل يحتاج السجود إذا وقع بعد التسليم إلى تكبيرة إحرام أم لا؟ قال القاضي عياض -رحمه الله-: مذهب مالك -رحمه الله- أنه إذا كانتا يعني السجدتين بعد السلام فيتشهد ثم يسلم. ثم اختلف عنه هل يجهر =