لا ينعقد يمينُ الصبيِّ والمجنون، ولا يمين المكْرَهِ، رُوِيَ أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:"لَيْسَ عَلَى مَقْهُورٍ يَمِينٌ"(١) وفي يمين السكران الخلافُ المذكور في الطلاق، وينعقد يمين الكافر. حلَف؛ لا يدخل الدَّار، ثم قال: أردتُّ شهراً أو يوماً، فإِن كانَتِ اليمينُ بالطلاق أو العَتَاقِ، لم يقبل في الحكم، ويُدَيَّنُ فيما بينه وبيْن الله تعالَى، ويلحق بهما الإِيلاء، لتعلُّقه بحق الآدميِّ، وإن كانتِ اليمينُ بالله تعالَى، ولم يتعلَّق بحق الآدمي، قُبِل ظاهراً وباطناً؛ لأنه أمِن حقوق الله تعالَى، وعن أبي حنيفة: أنه تَلْغُو نية التأقيت ولو حلف لا يكلِّم أحداً، ثم قال: أردتُّ زيداً أو مَنْ سِوَى زيد أو لا يأكل طعاماً، ونوى طعاماً بعينه، تخصَّصت اليمين، ورُوِيَ عن أصحاب أبي حنيفة خلافُهُ عن القَفَّال، قال: سمعت الشيخَ أبا زَيْدِ يقول: لا أدري علَى ماذا بَنَى الشافِعيُّ -رضي الله عنه- مسائِلَ الإِيْمَانِ، إن كان يَتَّبعُ اللُّغَة فمن حلف لا يأكل الرؤوس، ينبغي أن يحنث برأْسِ الطير والحيتان، وإن أَتبع العُرْف والعادَةَ، فأصحاب القُرَى لاَ يَعُدُّون الخيام، بيوتاً، وقد قال الشافعيُّ -رضي الله عنه- الفرق بين القَرَوِيِّ والبَدَوِيِّ، وقد قدَّمنا ما يتمهد به الفرق بين هاتَيْن المسألتين، وفيهما ما يتبين أنه يتبع قضيَّة اللغة تارةً، وذلك عند ظهورها وشمولها، وهو الأصلْ، والعُرْفِ عنْد الاستمرار والإِطَّرَاد أخْرَى.
اللفظ الخاص في اليمين لا يتعمَّم بالسبب والنية، والعامُّ قد يتخصَّص:
مثال الأول: إذا مَنَّ على غيره بما نَالَ منه، فقال: والله أشرب لك بعد هذا ماءً منْ عطَشٍ، ينعقد اليمين على المَاءِ خاصةً، ولا يحنث بأكل طعامِهِ، ولبس ثيابه، وإن نوى أنه لا ينتفع بشيء منه فالمنازعة الجارية بينهما تقتضي ما نواه، وإنما تؤثِّر النية، إذا احتمل اللفظُ المنويُّ بجهة يتجوَّز بها، وعند مالكٍ، يحْنَث بكل ما ينتفع به من ماله، قال الشيخ أبو حامدٍ، وأصل الخلاف أن الاعتبار عَنْدنا باللفْظ ويُرَاعَى عمومُه، وإنْ كان السبب خاصّاً، وخصوصه وإنْ كان السبب عاماً، وعنده الاعتبار بالسبب دون اللفظ، وأما تخصيص العام، فتارةً يكون بالنية، كما ذكرنا فيما إذا قال: لا أكلِّم أحداً، وتارةً يعرف الاستعمال، كما مرَّ في قول: لا آكل الرؤوس وتارةً يعرف بالشرع، كما يحمل قولُه "لا أصلي" على الصلاة الشرعية.
(١) رواه الدارقطني [٤/ ١٧١] من حديث واثلة بن الأسقع وأبي أمامة، وفيه الهياج بن بسطام, وهو متروك، وشيخه عنبسة متروك أيضاً مكذب، ثم هو من رواية الدارقطني عن شيخه أبي بكر محمد ابن الحسن النقاش المقري المفسر، وهو ضعيف عنده، وقد كذب أيضاً، واحتج البيهقي في هذه المسألة بحديث عائشة: لا طلاق ولا عتاق في إغلاق.