للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنه متصلٌ به، فصارُ معرفاً، وقد يتوقَّف في هذه الصور الأخيرة، والسابق إلى الفَهْم مما قبلها ما ذكروه، ويجوز أن يخرج الصور الأولَى على الخلاف في أنَّ المخاطب، هل يندرج تحت الخطاب؟.

وفيها أن كلمة "أو" إذا دخلت بين نفيين، اقتضت انتفاءهما، كما قال تعالَى: {وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمَاً أَوْ كَفُوراً} [الإنسان: ٢٤] وإذا دخلَتْ بين إثباتين، اقتضت ثبوت أحدهما، فإذا قال: لا أدخل هذه الدار أو حذف "لا" أدخل هذه الدار، فأيتهما دخل، حنث، ولو قال: لأدخلن هذه الدار أو هذه الدار الأخْرَى، يَبَرُّ بدخول واحدةٍ منهما، ولو قال: لا أدْخُلُ هذه الدار أبداً أو لا أدخل هذه الأخْرَى اليوم, فمضى اليوم، ولم يدخل واحدةً منهما، يحنث؛ لأن عدَم دخول الأولَى أبداً شرْطٌ للبِرِّ، وعدم دخول الثانية في ذلك اليَوْمِ شرطُ الحِنْثِ، فإذا وُجِدَ شرطُ الحنث، حنث، ويشبه أن يُقالَ: إذا دخلَتْ بين نفيين، كَفَى للبر ألا يدخل واحدةً منهما, ولا يضرُّ دخول الأخرَى كما أنها إذا دخلَتْ بين إِثباتين، كفي للبر أن يدخل واحدةً منهما, ولا يضر ألا يدخل الأخرَى، وإذا قال: لا أدخل هذه الدار أبداً أو لأدخلَنَّ الدار الأخْرَى اليوم، فإنْ دخل الأخرَى اليوم، بَرَّ، وإن لم يدخلها اليوم، ولم يدخُلِ الأخرى أبداً يبَرَّ أيضاً، وفي "الإِقْناع" للماوردِيِّ أنه إذا قال: أكلْتُ خبزاً أو لحماً يرجع إلَى إرادته منهما، فيتعلق اليمين به.

والفصُل الثاني: "في الفُرُوع".

حلف؛ لا يدخل هذه، وأشار إلى دارٍ، فانهدمت، حَنِث بدخول عَرْصَتِها, ولو قال: لا أدخل هذه الدار، فانهدمت، يُنْظر؛ إن بقي أصولُ الحيطان والرسُوم، حَنِثَ بدخولها، وإن صارتْ فضاءً، فدخلها, لم يحْنَثْ على المشهور، وجعله الإِمامُ على الوجهين، فيما إذا قال: لا آكُلُ هذه الحنطة، فأكل دقيقَها أو خبزها، وكذا لو قال: لا أدخل داراً، فدخل عرصة كانت داراً، وكذا لو حلف على لَفْظِ البيت، وقال أبو حنيفة في الدار المعينة: يحنث، إذا دخل عرصتها، ووافقَنا في الدار المطْلَقَة في البيت، وقال أحمد: يحنث في الدار والبيت، إذا كانا معينَيْنِ، ولو جعلت الدار مسجداً أو بستاناً أو حماماً، لم يحنث بدخوله، ولو أُعِيدَتِ الدارُ بغير الآلة الأولَى، فدخلها, لم يَحْنَث، وإن أُعِيدَتْ بتلك الآلة، فوجهان.

حلف لاَ يَشَمُّ الريحانِ، يحنث بشم الضيمران (١) دون الورد والبنفسج والْيَاسَمِينِ والنرجس والمرزنجوش والزعفران، ويُمكن أن يُقَالَ: هذا فيما إذا عرف الريحان، أما إذا قال: لا أَشَمُّ ريحاناً، فيحنث بها جميعاً، فلا يستبعد إطلاق اسم الرياحِينِ عليها،


(١) هو الريحان الفارسي، وهو الضَّوْمَرُانُ، والضَّمُيرَان. ينظر: المعجم الوسيط ١/ ٥٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>