للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القيام والركوع والسجود أو شرَطَ المشْيَ في الحجَّة الملتزمة، إذا جعلْنا المشْيَ في الحج أفضلَ من الركوب، ولو أُفْرِدَتِ الصفة بالتزام، والأصل واجبٌ شرعاً؛ كتطويل القراءة والركوع والسجود في الفرائض، فوجهان:

أحدُهما: أنها أوصافٌ لا تستقل بنفسها، فلا تفرد بالالتزام.

وأشبههما: اللزوم فإنها عبادةٌ محبُوبَةٌ وفي معناها ما إذا نذر أن يقرأ في صلاة الصبح سورةَ كذا، وباللزوم أجاب صاحبُ "التهذيب" ولو نذر أن يصلِّيَ الظهرَ أو الفرائض بالجماعة، ففي انعقاد نذره وجهان:

أظهرهما: وهو المذكور في "التهذيب": اللزوم (١)؛ لأن الجماعة مستحبةٌ، فقد تعلَّق النذر بمستحب.

والثاني: المنع: لأن الفرائض أوجبها الشرع علي صفة، وفي تصحيح النذر إبطالٌ لتلك الصفة، والنذر لالتزام ما ليس بلازم في التعين لأوضاع الشرع في العبادات، ولو نذر إقامة بعض الرواتب كالوتر وركعتي الفجر، ففيه هذان الوجهان، ولو نذر ألا يفطر في السفر في رمضان، فأحد الوجهين، وهو المذكور في الكتاب، ونسبه إبراهيمُ المَرْوَزِيُّ إلَى عامة الأصحاب -رحمهم الله- أنه لا ينعقد نذْرُه، وله أن يُفْطِرَ إِنْ شاء؛ لأن في التزامه إبطالَ رخصه الشرع، وقد قال فيه -صلى الله عليه وسلم- "إنَّ اللهَ قَدْ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ" (٢).

والثاني: وهو اختيارُ صاحبِ "التهذيب" وشيخه القاضي: انعقاده ووجوب الوفاء، كما في سائر المحبوبات (٣)، وكذلك الحكم فيما إذا نذر إتمام الصلاة في السفر، إذا قلنا: إنَّ الإِتمامَ أفضلُ، ويجري الوجهان فيما إذا نذر أن يقوم في السنن, ولا يقعد


(١) علله المصنف بأن الجماعة سنة.
قال الزركشي: وهذا التعليل يقتضي اللزوم على القول بأن الجماعة سنة فأما على ما صححه النووي أنها فرض كفاية فقياسه المنع. قال: وإذا قلنا باللزوم فصلى منفرداً. قال القاضي أبو الطيب: يسقط عنه النذر لأجل سقوط الأصل بهذا الفعل وقال في التتمة: أنه يأتي بالصلاة ثانياً في جماعة كلما لو صلى منفرداً ثم أدرك جماعة يصلون.
قال ابن الرفعة: وهو ظاهر إذا لم نقل إن الفرض هو الأولى، فإن قلنا به فالذي قاله القاضي هو الوجه.
(٢) رواه مسلم من حديث يعلي بن أمية عن عمر، وفيه قصة، وقد تقدم في الوضوء، وفي صلاة المسافر.
(٣) هكذا أطلقوه، والظاهر أنهم أرادوا من لم يتضرر بالصوم في السفر، فإنه له أفضل فيصح نذره، أما من يتضرر به فالفطر له أفضل فلا ينعقد نذره لأنه ليس بقربة.

<<  <  ج: ص:  >  >>