للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأما إذا رزَقَهُ أهل ولايته، أو واحدٌ من الناس، فقد تقدم، ويشبه أن يجوز ذلك، إذا جاز الأخذ من الخصمين (١).

ويحرم على باذل الرشوة البذل، إن كان يبْذُلُها لحُكْمٍ بغيرِ حَقٍّ، أو لدَفْعِ حُكْمٍ بحق، وإن كان يَبْذلَ لِيَصِلَ إلى حقِّه، فلا كفداء الأسير، هذا حكم الرشوة.

وأما الهدايا، فالأَوْلى أنْ يَسُدَّ الباب، ولا يقبلها؛ لأنه أبعد عن التُّهْمَة، ثم يُنْظَر، فإن كان للمُهْدِي خصومةٌ في الحال، حرم قبول هديته؛ لأنه يدعو إلى الميل إليه، وينْكَسِر به قلْبُ خصمه، وإن لم يكن له خصومة، فإن لم يعهد منه الهديَّة، قبل تولِّي القضاء، حَرُم قبول هديته في محلِّ ولايته؛ لأن هذه هديَّةٌ سببها العمَلُ ظاهرًا، وقد رُوِيَ أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "هَدَايَا الْعُمَالِ غُلُولٌ" (٢) وَيُرْوَى "سُحْتٌ" (٣) وهديته في غير محلِّ


(١) ما نقله المصنف عن الشيخ أبي حامد والقاضي أبي الطيب جرى عليه ابن الصباغ والجرجاني والروياني في البحر كما قاله في الخادم قال: وحيث قلنا بالجواز فله شروط.
منها: أن يكون العمل مما يستحق الأجرة فإن كان يحصل الحكم بالكلمة أو الكلمتين من غير كلفة فلا يستحق شيئًا فإنه لا يقابل بأجرة وهذا ذكره صاحب البيان بالتشبه إلى المفتي.
ومنها: أن يكون مشغولاً في معايشه بحيث يقطعه النظر عن اكتساب المادة، ذكره البندنيجي والماوردي واعتبر الماوردي من ذلك ثمانية شروط في جواز الارتزاق من الخصوم سبق بيانها والذي سبق له أحدها أن يعلم به الخصمان قبل التحاكم إليه فإن لم يعلما به إلا بعد الحكم لم يجز أن يرتزقهما.
ثانيها: أن يكون عليهما ولا يأخذ من أحدهما لئلا يصير متوهمًا.
ثالثها: أن يأذن له الإِمام وإلا لم يجز.
رابعها: أن لا يجد الإِمام متطوعًا، فإن وجده لم يجز.
خامسها: أن يعجز الإِمام عن دفع رزقه وإلا امتنع.
سادسها: أن يكون ما يرتزقه من الخصوم غير مؤثر عليهم ولا مضر بهم ولا إثم.
صابعًا: أن لا يسترد إلا على قدر حاجته، فإن زاد عليها لم يجز.
ثامنها: أن يكون قدر المأخوذ مشهورًا يتساوى فيه جميع الخصوم وإن تفاضلوا في المطالبات لأنه يأخذ عن زمان النظر فلم يعتبر بمقادير الحقوق، فإن فاضل بينهم لم يجز إلا أن يتفاضلوا في الزمان في مثل هذا معسرة تدخل على جميع المسلمين. وسبقه لنقل ذلك الأذرعي في القوت ونقله أيضًا الشيخ جلال الدين البلقيني في حاشيته وقال إنه حسن وينبغي أن يعمل بهذه الشروط في ذلك، وقال الزركشي هنا أن هذا قول شاذ لا يعول عليه والذي جوزه إنما قاله عند الضرورة كالمخمصة وفيه معيرة على المسلمين، انتهى ولا يخفى ما في ذلك من الهجوم على كلام الأئمة.
(٢) رواه البيهقي وابن عدي من حديث أبي حميد، وإسناده ضعيف، والطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة، وإسناده أشد ضعفًا، وفيه عن جابر أخرجه سنيد بن داود في تفسيره عن عبدة ابن سليمان عن إسماعيل بن مسلم، عن الحسن عن جابر، وإسماعيل ضعيف.
(٣) رواه الخطيب في تلخيص المتشابه من حديث أنس.

<<  <  ج: ص:  >  >>