للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدعوى "الصحيحة" وقال غيره: لا يجوز؛ لأنه يكسر قلب الآخر، وتعريف الشاهد كيفية أداء الشهادة على هذين الوجهين، قال في "العدَّة": والأصح: الجواز، ولا بأس بالاستفسار مثل أن يدعي دراهم؛ فيقول: أهي صحاح أم مكسرة؟ وعن أبي حنيفة منعه أيضًا.

ويستحب للحاكم إذا أراد الحكم، أن يجلس المحكوم عليه، ويقول: قامت البينة عليك بكذا، ورأيت الحكم عليك؛ ليكون أطيب لقلبه، وأبعد عن التهمة، وعن نصِّه -رضي الله عنه- في "الأم": أنه يندبهما إلى الصُّلْح بعد ظهور وجْه الحُكْم، ويؤخّر الحكم اليوم واليومين، إذا سألهما، فجعلاه في حل من التأخير، فإن لم يجتمعا على التحْلِيلِ، لم يُؤخَّر.

المسألة الثانية: إذا جلس الخصمان بين يدَي القاضي، فله أن يسكت حتى يتكلمان وله أن يقول: ليتكلَّمِ المدعي منْكما (١)، وأن يقول، للمدعي، إذا عرفه: تكلَّم (٢) ولو خاطبهما بذلك الأمينُ الواقفُ إلى رأسه، كان أولَى فإذا ادعَى المدَّعِي، طالب خصمه بالجواب، وقال: ماذا تقول؟ وفيه وجه أنه لا يطالبه حتى يسأله المدعَّي، كما لا يطالب بإفاء المال حَتى يسأل المدعي، ثم ينظر في الجواب؛ إن أقر بالمدعي، فللمدَّعِي أن يطلب من القاضي الحكم عليه، قال الشيخ أبو حامد: وحينئذٍ يُحْكَمُ بأن يقول له: اخْرُجْ من حقه، أو كلفتك الخروج من حقه، أو ألزمتك. وما أشبههما ويثبت المدعي بمجرَّد الإِقرار أم يفتقر ثبوته إلى قضاء القاضي؟ فيه وجهان:

أحدهما: أنه يفتقر إليه، كالثبوت بعد إقامة البينة.

وأصحهما: المنع؛ فإن دلالة الإقرار على الحق بينة، إِذ الإنسان على بصيرة والبينة تحتاج في قبولها إلى النظر والاجتهاد، هكذا ذكرت المسألة، والطَّبْعُ لا يكادُ يقبل الخلاف فيها؛ لأنه إِن كان الكلامُ في ثبوت الحقِّ المدَّعَى في نفسه، فمعلومٌ أنه لا يتوقف على الإِقرار، فكيف على الحكم بعد الإِقرار، وإن كان المرادُ المطالبةَ والإِلزامَ، فلا خلاف في أن للمدعي الطَّلَبَ بعد الإقرار، وللقاضي الإلزام، وإن نظرنا ناظر إلى وجه ذكرناه في الإِقرار أن الإِقرار المُطْلَق لا يكفي للمؤاخذة، بل يسأل المُقِرَّ عَنْ سبب اللزوم، وقال: إِذا كان الإِقرار المطْلَق مختلَفًا فيه، كان في محلِّ النظر والاجتهاد،


(١) قال في الخادم: مقتضى تعبيره بالجلوس أنه المشروع، وبه صرح الماوردي والروياني فقالا لا تسمع الدعوى بينهما وهما قائمان حتى يجلسا بين يديه تجاه وجهه. انتهى، وما يفعل الآن من التحاكم قيامًا خلاف الأدب، انتهى كلام الخادم وأخذه من قوت الأذرعي.
(٢) قال الزركشي تبع فيه البغوي وابن شداد: قال ابن الرفعة والذي ذكره القاضي أبو الطيب وابن الصباغ وغيرهما أنه لا يقول له ذلك.
قال الزركشي: وهو مقتضى إطلاق الجمهور لأنه ميل.

<<  <  ج: ص:  >  >>