القاضي عنده، أو يبعث من يسمع الشهادة عَلَى عينه، وإن لم يكن وصفه حضر القاضي عنْده أو يبعث لسماع الدعوَى على عينه، وذكر صاحب الكتاب هاهنا وفي "الوسيط" أن العبد المدعي، لو كان يعرفه القاضي، حكم به دون الإِحضار، وجعل هذه الصورة كالمستثناة عن صورة وجوب الإِحضار، وهذا إذا كان المراد منه العَبْدَ المعروف بَيْن الناس، فهو واضحٌ، كما ذكر في العقار المعروف بين الناس، وفي العبد المشهورِ الغائب عن البلَدِ، فأما الذي يختص القاضي بمعرفته، فإن كان عالماً يصدْقِ المدَّعِي، وحكمَ بناءً علَى علمه؛ تفريعاً عَلَى جواز القضاء بالعلْم، فهو مرتَّبٌ أيضاً، أما إِذا كان يحكم بالبينة فالبينة تقُومُ على الصفة، فإذا لم تسمع البينة علَى الصفة، وجَبَ أن يمتنع الحكم والله أعلم، وذكر في "الوسيط" أيضاً: أنه لا يلزم إِحضار الكرباس ونحوه؛ لأنه يتماثل، وإِن حضر، وهذا إِشعار بأن الكرباس الحاضر لا يُمْكِن توجيه الدعْوَى والبينة عَلَى عينه، ولا شك في بُعْد هذا الكلام، ومتى قلْنا، يلزم الإحضار، فذلك إِذا اعترف المدعَى عليه باشتمالِ يده عَلَى مثل تلْكَ العين، فإِن أنكر اشتمال يده على عينٍ بالصِّفة المذكورةِ فالقَوْلُ قولُهِ مع يمينه، فإِن حلف، كان للمدعي أن يدَّعي القيمة عليه، لاحتمال أنها هلكت، قاله صاحب "التهذيب" وغيره، وإِن نكل، حلف المدعي، أو أقام البينة، إِن أنكر، ويكلَّف إِحضاره، وحبس، ولا يطلق إِلاَّ بالإحضار أو بأن يدعي التَّلفَ، وتؤخذ منْه القيمةُ، وتقبل منه دعوى التلَف، وإن كان على خلافِ قوله الأول ضرورةَ أنه قد يكون صادقاً، ولو لم يقبل قولُهُ ليتخلد عليه الحبس، وفي كلام بعض الأصحاب: أنه لا يطلق إلا بإحضاره أو بأن يقيم بينته على التلف، وإذا لم يدر المستحق أن العين باقيةٌ ليطالبَ بها أو تالفة ليطالب بقيمتها وادَّعَى على التردُّد، وقال: غُصِب مني كذا، فإِن كان باقياً، فعليه ردُّه، دمِان كان تالفاً فقيمته ففيه وجهان:
أحدهما: أنه لا تسمع هذه الدعوى؛ لأنها غير جازمة، بل يدعي العين، ويحلف عليها، ثم ينشئ دعوى القيمة، ويحلف علَيْها ويُحْكَى هذا عن القاضي الحُسَيْن.
وأولاهما: وعَلَيْه اصطلاح القضاة: أنها تُسْمَع؛ للحاجةِ، وعَلَى هذا، فيحلف على أنه لا يلزمه رد العين، ولا قيمتها، ويجري الوجهان فيما إِذا سلم ثوباً إِلى دلاَّل ليبيعه، فطالبه به، فجحد، فلم يدر صاحب الثوب أنه باعه ليطالبه بالقيمة أو هو باقٍ ليطالبه بالعين، فعلى الوجْهِ الأول: يدعي العين في دعوى، ويدَّعِي القيمة في أخرى والثمن في أخرى وعلى الثاني؛ يدعي عليه ردَّ الثوب أو ثمنه، إِن باع وأخذ ثمنه أو قيمته، ويحلف الخصم يميناً واحدةً؛ بأنه لا يلزمه تسليم الثوب ولا ثمنه ولا قيمته، وقد ذكر هذه الصورةَ في الكتاب في "الدعاوَى والبيِّنات" وجميع ما ذكرنا فيما إِذا كان الخَصْمُ حاضرًا، فإِن كان غائباً، والمال في البلد، كما وصفنا، فيحضر مجلس الحكم أيضاً، ويؤخذ ممن في يده ليشهد الشهود عَلَى عينه.