للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحالة الأولى: إذا رجعوا قبل القَضَاءِ؛ فيمتنع القَضَاءُ, لأنه لا يَدْرِي أنهم صَدَقُوا في الأول، أو في الآخر، فلا يَبْقَى ظَنُّ الصَّدْقِ.

ثم إن اعْتَرَفُوا بأنهم تَعَمَّدوا الكَذِبَ، فهم فَسَقَةٌ يستترون، وإن قالوا: غلطنا (١)، لم يَفْسُقُوا (٢)، لكن لا تُقْبَلُ تلك الشَّهَادة لو أَعَادُوهَا.

وقد ذكرنا هذا من قَبْلُ، ولو كانوا قد شَهِدُوا بالزِّنَا، فَرَجَعُوا، واعترفوا بالتَّعَمُّدِ، فَسَقُوا، وحُدُّوا حَدَّ القَذْفِ. وإن قالوا: غَلِطْنَا، ففي حَدِّ القَذْفِ وجهان:

أحدهما: المنع؛ لأن الغَالِطَ مَعْذُورٌ.

وأظهرهما: الوجوب؛ لما فيه من التغيير. وكان من حَقِّهم التَّثَبُّتُ، والاحْتِيَاطُ، وعلى هذا تُرد شهادتهم. وإن قلنا: لا حَدَّ، فلا رَدَّ.

ولو قال الشُّهُودُ للقاضي بعد الشهادة: تَوَقَّفْ في القَضَاءِ، وجب التوقيف فإن قالوا بعد ذلك: اقضِ فنحن على شَهَادَتِنَا، ففي جَوَازِ القَضَاءِ بِشَهَادَتِهِمْ وجهان:

المنع؛ لأن قولهم: تَوَقَّفْ، يورث الرِّيْبَةَ، والتُّهْمَةَ، في شهادتهم، ولأنه طَرَأَ على الشَّهَادَةِ ما يَمْنَعُ الحُكْمَ بها، فَأشْبَهَ ما لو طَرَأَ الفِسْقُ.

وأقربهما، وبه أجاب بَعْضُ أصحاب الإِمام؛ الجَوَازُ لأنه لم يَتَحَقَّقْ رجوع. ولا بطلت (٣) أَهْلِيَّةٌ، وإن عَرَضَ شَكٌّ، فقد زَالَ. وعلى هذا فهل يجب إِعَادَةُ الشهادة؟ فيه وجهان:

أحدهما: نعم؛ لِبُطْلاَنِ تلك الشَّهَادَةِ بما عَرَضَ من التوقف.

وأَوْلاَهُمَا: لا؛ لأنها صَدَرَتْ من أهل الشهادة، جازم بها، والتوقف الطَّارِئُ قد زَالَ، وكأنه لم يَكُنْ.


(١) في ز: أغلظنا.
(٢) قال الشيخ جلال الدين البلقيني: إذا رجع بعضهم قبل القضاء فإن بقي النصاب لم يمتنع الحكم، وإن بقي دون النصاب كأن بقي واحد، فإن كان الحق مما يثبت بالشاهد واليمين فللمدعي أن يحلف مع شاهده الثابت على شهادته ولا يكون رجوع رفيقه قدحاً في شهادتهم.
وقال أيضاً: لو قال الشاهدان كنا فاسقين وقت أداء الشهادة فقد ذكر المصنفان في كتاب النكاح أنه لا اعتبار بقول الشاهدين كنا فاسقين حالة العقد كما لا اعتبار بقولهم كنا فاسقين بعد الحكم بشهادتهما.
ومقتضى ذلك أنه لو كان قبل الحكم بشهادتهما كان ذلك مانعاً له من الحكم، وقياسه لو قالا كنا عدوين للمشهود عليه، إن كان بعد الحكم لم يؤثر، وإن كان قبله امتنع عليه القضاء.
(٣) في ز: ولا يطلب.

<<  <  ج: ص:  >  >>