للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل يقع الاسْمُ عليه مع كون الشَّيْءِ عنده. ومنه الادِّعَاءُ في الحَرْبِ، وهو الاعتزاز بأن يقول: أَنا فلان ابن فلان.

وقيل: الدَّعْوَى في اللغة التَّمَنِّي؛ ومنه قوله عَزَّ وجَلَّ: {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} [فصلت: ٣١].

وأما لَفْظَةُ البَيِّنَةِ فهي بَيِّنَةٌ، والأحاديث التي هي أُصُولُ الباب مَشْهُورَةٌ، نحو ما رُوِيَ عن ابنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "البَيِّنَةُ عَلَى المُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى المُدَّعَى عَلَيْهِ" (١) ويُرْوَى: "لَوْ أُعْطِيَ النَّاسُ بدَعْوَاهُمْ، لاَدَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وَأمْوَالَهُمْ" (٢).

ويُرْوَى أن رَجُلاً من "حَضْرَمَوْتَ" وآخَرَ مِن "كِنْدَةَ" أَتَيَا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال الحَضْرَميُّ: يَا رَسُولَ الله: إن هذا غَلَبَنِي على أَرْضٍ لي كانت لِأَبِي، فقال الكِنْدِيُّ: هي أَرْضِي في يَدِي أَزْرَعُهَا، ليس له فيها حَقٌّ، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لِلْحَضْرَمِيِّ: "أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ ". قال: لا. قال: "فَلَكَ يَمِينٌ". قال: يا رَسُولَ الله: إن الرَّجُلَ فَاجِرٌ لا يُبَالِي على ما حَلَفَ عليه -قال: "لَيْسَ لَكَ مِنْهُ إلاَّ ذَلِكَ" (٣).

هذا تَمْهِيدُ الكتاب.

قال حُجَّةُ الإِسلاَم: "وَمَجَامِعُ الخُصُومَاتِ تَدُورُ على خمسة: الدعوى، والجَوَاب، واليَمِينُ، والبَيِّنَةُ، والنُّكُولُ". وذلك لأن المُتَخَاصمين في الخُصُومَاتِ الشَّرْعِيَّةِ، أحدهما طالب، وطَلَبُ الحَقِّ هو: الدَّعْوَى، وحُجَّتُهُ عليه: البَيِّنَةُ، والآخر مَطْلُوبٌ منه، فإن أجاب بالإقْرَارِ فذاك، وإن أَنْكَرَ فَحُجَّتُهُ اليَمِينُ، وإن نكَلَ لم يُقْنَعْ منه بذلك، بل تُرَدُّ اليَمِينُ على الطَّالِبِ، وكلام الكتاب في بَيَانِ هذه الأمور الخَمْسَةِ، وأحكامها.

الأول: الدَّعْوَى -وفيه مَسَائِلُ:


(١) أخرجه البيهقي ١٠/ ٢٥٢.
من طريق الفريابي عن سفيان عن نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس وفيه قصة، وهو في المتفق عليه بلفظ: اليمين على المدعى عليه، حسب، وعزاه ابن الرفعة لمسلم فوهم، وزعم الأصيلي أن قوله لكن البينة إلى آخره من قول ابن عباس، أدرج في الخبر، حكاه القاضي عياض، وفي الباب عن مجاهد عن ابن عمر لابن حبان في حديث، وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده للترمذي، والدارقطني وإسناده ضعيف.
(٢) أخرجه البخاري [٤٥٥٢]، ومسلم [١٧١١] عن ابن عباس.
(٣) أخرجه مسلم [١٣٩] من حديث وائل بن حجر بتمامه، والحضرمي هو وائل المذكور، والكندي هو امرؤ القيس عابس، واسمه ربيعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>