للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها: أن يؤم في مسجد بحضرة رجل شريف فيطول الصلاة على الحاضرين ليلحق ذلك الرجل، فهذا مكروه أيضاً؛ لأنه ينفر الحاضرين ويُشَوِّشُ عليهم.

ومنها: أن يَحِس في صلاته بمجيء رجل يريد الاقتداء به، فله أحوال:

أحدها: أن يكون في الركوع، وهي مسألة الكتاب فهل ينتظر ليدرك الركوع؟ فيه قولان:

أصحهما -عند إمام الحرمين وآخرين-: أنه لا ينتظره؛ لمطلق قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا أَمَّ أَحَدُكُمْ بِقَوْمٍ فَلْيُخَفِّفْ" ولأن انتظاره يطول الصلاة على الحاضرين، والتطويل على الحاضرين لمسبوق وقد يكون مقصراً بتخلفه لا وجه له (١).

والثاني: ينتظره؛ لما روي أنه -صلى الله عليه وسلم-: "كَانَ يَنْتَظِرُ فِي صَلاَتِهِ مَا سَمِعَ وَقَعَ نَعْلٍ" وهذا كما أنه ينتظر في صلاة الخوف ذهاب قوم ومجيء قوم لينالوا فضيلة الجماعة، ثم ذكر الأئمة للقولين شرطين:

أحدهما: أن يكون الرجل الجائي حين ينتظر داخل المسجد، أما لو كان بعد خارجه فلا ينتظر قولاً واحداً.

والثاني: أن يقصد به الاحتساب والتقرب إلى الله تعالى، فأما لو قصد التودد إليه واستمالته فلا ينتظر قولاً واحداً، ثم اختلفوا في أن القولين فيما إذا؟ على طرق قال معظم الأصحاب: ليس الخلاف في استحباب الانتظار، ولا في أنه لو انتظر هل تبطل صلاته أم لا؟ وإنما الاختلاف (٢) في الكراهة، فأحد القولين: إنه يكره وبه قال أبو حنيفة، ومالك، واختاره المزني.

والثاني: لا يكره، وبه قال أحمد، وهو أصح القولين عند القاضي الروياني.

وقال بعض الأصحاب: القولان في أنه هل يستحب الانتظار، ويحكى هذا عن القاضي أبي الطيب، وقال آخرون: في المسألة قولان:

أحدهما: أنه يكره.

والثاني: أنه يستحب، وهذا ما أورده صاحب "المهذب"، وقال: الأصح الثاني، وهذه الطريقة كالمركبة من الطريقتين الآخريين، ثم إذا قلنا: لا ينتظر فلو فعل هل تبطل صلاته؟ منهم من قال: فيه قولان كما لو زاد في صلاة الخوف على انتظارين، وقطع المعظم بأنها لا تبطل، وركب في "الوسيط" من القول بالبطلان، ومما تقدم ثلاثة أقوال:


(١) أخرجه أحمد في المسند (٤/ ٣٥٦) وأبو داود (٨٠٢) وفي إسناده مجهول، انظر خلاصة البدر المنير (١/ ١٨٧).
(٢) في "ب" الخلاف.

<<  <  ج: ص:  >  >>