للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القَاذِفُ، سَقَطَ حَدُّ القَذْفِ عنه، ولم يَثْبُت بحلفه حَدُّ الزِّنَا على المَقْذُوفِ، ولو ادَّعَى سَرِقَةَ مال (١)، سُمِعَتْ دَعْوَاهُ للمال، وحَلَفَ المُدَّعَى عليه، فإن نَكَلَ، حَلَفَ المدعى، واسْتَحَقَّ المَالَ، ولم يقطع المُدَّعَى عليه؛ لأن حُدُودَ اللهِ -تعالى- لا تَثْبُتُ باليمين المَرْدُودَةِ، وإذا (٢) أقر بما يُوجبُ الحدَّ، وادَّعى شُبْهَةً، كما إذا وَطِئَ جَارِيةَ ابْنِهِ، وقال: ظَنَنْتُهَا تَحِلُّ لي، وهو ممن يَجُوزُ أن يُشْتَبَهَ عليه مثْلُهُ، حَلَفَ، وسقط بِحَلفِهِ الحَدُّ، ولَزِمَ المَهْرُ، وسمع الدعوى. ويجري التَّحْلِيفُ في القِصَاصِ، وحَدِّ القذف، وكذا في الشَّتْمِ، والضَّرْبِ الموجِبَيْنِ للتعزير.

الثالثة: لو ادَّعى على القاضي: أنَّه ظَلَمَهُ في الحُكْمِ، أو على الشَّاهِدِ أنَّه تَعَمَّدَ الكَذِبَ، أو غَلِطَ، أو ادَّعى عليه ما يُوجِبُ سُقُوطَ شَهَادَتِهِ، فهذا شَيْءٌ لو اعترف القَاضِي، أو الشَّاهِدُ، لَأَفَادَ اعترافهما التَّغْرِيمَ، وانتفع به المدعى. لكن مَنْصِبَهُمَا يَأْبَى التَّحْلِيفَ على ما تَقَدَّمَ في آخر الباب الأَوَّلِ من "أدب القضاء". ومرة أخرى في كتاب الدَّعَاوَى.

ولو ادعى على المَعْزُولِ أنَّه حكم أَيَّامَ قَضَائِهِ عليه ظُلْماً، وأَنْكَرَ، فقد ذكرنا وَجْهَيْنِ في أنَّه يحلف، أو يُصَدَّقُ بغير يَمِين. والذي (٣) أجاب به في الكتاب هاهنا؛ أنَّه يحلف، فَيُعَلَّمُ بالواو للوجه الآخر. والكَلاَمُ على ما تَبَيَّنَ هناك مَائِلٌ إلى ترجيحه، وهذا في الدعوى التي تَتَعَلَّقُ بالحكم.

أما ما لا يَتَعَلَّقُ بالحكم كَدَعْوَى الأَمْوَالِ وغيرها، فَسَبيلُهُ سَبِيلُ سَائِرِ الناس في الخُصُومَاتِ الشَّرْعِيَّةِ، ويُحْكَمُ فيها بينه وبين المُدَّعِي خَلِيفَتُهُ، أَو قَاضٍ آخر.

الرابعة: [الصبي] (٤) إذا ادَّعَى البُلُوغَ بالاحْتِلاَم في وَقْتِ الإمْكَانِ، صُدِّقَ، ولا يَحْلِفُ على ما بَيَّنَّاهُ في الإِقْرَارِ. ومن ادُّعِيَ عليه شَيْءٌ فقال: أَما صَبِيٌّ بَعْدُ، وهو محتمل، لم يَحْلِفْ ووقفتَ الخُصْومَةُ إلى أن يُتَحَقَّقَ بُلُوغُهُ. وإن وقع في السَّبْي من أَنْبَتَ، وقال: اسْتَنْبَتُّ الشَّعَرَ بالعِلاجَ، وأنا غير بَالِغ، فهذا يُبْنَى على أن إِنْبَاتَ العَانَةِ عين البلوغ، أو عَلاَمَتُهُ، وفيه قولان قد سَبَقَ ذِكْرُهُمَا في الحَجْرِ.

فإن قلنا بالأَوَّلِ، فلا حَاصِلَ لكلامه، وإن قلنا بالثاني -وهو الأَصَحُّ- فالمشهور، والمنقول عن النص: أنَّه يَحْلِفُ، وفيه إِشْكَالٌ من جهَةِ أنَّه يدعي الصبا، وتحليف من يدعي الصبا لا وَجْهَ له على ما تَقَرَّرَ في الإقْرَارِ. فعَن أبي الحُسَيْنِ [بن القَطَّانِ] (٥) أن هذا التَّحْلِيفَ نَوْعُ احْتِيَاطٍ، واسْتِظْهَارِ، وكَذلك، ذكره القَفَّالُ في "شرح التلخيص".


(١) في أ: ماله.
(٢) في أ: فإذا.
(٣) في أ: فالذي.
(٤) سقط في: ز.
(٥) سقط في: أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>