للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يخص به بعض القوم لصداقة، أو سيادة، وإذا عم فلا يقصد استمالة قلوب الناس، والتودد إليهم، بل التقرب إلى الله تعالى كما تقدم، ويجوز الوسم بالواو هاهنا أيضاً لأمرين:

أحدهما: لأن أبا سعيد المتولي حكى عن بعض الأصحاب: أنه إن عرف الداخل بعينه لم ينتظره إذ لا يخلو عن تقرب إليه، وإن لم يعرفه بعينه انتظره.

والثاني: أن صاحب "البيان" حكى عن بعضهم أنه إن كان الداخل ممن يلازم الجماعة وعرفه انتظره، وإن كان غريباً لم ينتظره، وكلا الوجهين يوجب التمييز بين الداخل والداخل.

الحالة الثانية: أن تكون الإمام حين أحس بالداخل في التشهد الأخير، فهل يؤخر الكلام انتظاراً له بما سبق من الشرائط؟ ذكر معظم الأصحاب أن الخلاف يطرد فيه، لأن هذا الانتظار يفيده أيضاً من حيث إنه ينال من فضيلة الجماعة، وإن لم يدرك باللحوق فيه شيئاً من الركعات، وقياس قول من يقول: إنه لا يدرك فضيلة الجماعة إلا بإدراك ركعة مع الإمام أن يكون حكم الانتظار هاهنا حكمه في القيام ونحوه.

الحَالَةُ الثالثة: أن يكون في سَائِر الأركان من القيام والسجود وغيرهما، قطع الأكثرون بأنه لا ينتظره، لأنه لا فائدة للداخل في انتظاره، فإنه بسبيل من إدراك الركعة، أو فضيلة الجماعة، وإن لم ينتظره، وذلك لأنه إن كان قبل الركوع فهو بإدراك الركوع يدرك الركعة، وإن كان بعد الركوع فبإدراكه في التشهد ينال فضيلة الجماعة، وحكى إمام الحرمين عن بعضهم طرد الخلاف في سائر الأركان لإفادة الداخل بركة الجماعة، وروينا عن ابن كج أن بعضهم خصص الخلاف بحالة القيام، وحيث قلنا: لا ينتظر، فلو انتظر ففي البطلان ما سبق من الطريقين.

قال الغزالي: وَمَنْ صَلَّى مُنْفَرِداً فَأَدْرَكَ جَمَاعَةً يُسْتَحَبُّ لَهُ إِعَادَتُهَا ثُمَّ يَحْتَسِبُ اللهُ تَعَالَى أَيَّهُمَا شَاءَ.

قال الرافعي: من انفرد بصلاة من الصلوات الخمس، ثم أدرك: جماعة يصلونها، فالمستحب له أن يعيدها معهم؛ لينال فضيلة الجماعة، وقد روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "صَلَّى الصُّبْحَ فَلَمَّا فَرَغَ رَأَى رَجُلَيْنِ فِي آخِرِ الْقَوْم لَمْ يُصَلَّيَا مَعَهُ، فَقَالَ عَلَيَّ بِهِمَا، فَجِيءَ بهِمَا فَقَالَ: مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا، فَقَالاَ كُنَّا صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا قَالَ: فَلاَ تَفْعَلاَ إِذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا، ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ فَإنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ" (١).


(١) أخرجه أبو داود (٥٧٥، ٥٧٦) والترمذي (٢١٩) والنسائي (٢/ ١١٢ - ١١٣) والدارقطني (١/ ١٣) وابن حبان، أورده الهيثمي في الموارد (٤٣٤، ٤٣٥) والحاكم (١/ ٣٤٥ - ٢٤٦) وقال: إسناده صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>