للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَعَرَّضَتَا مع اختِلاَفِ التَّارِيخ لسبب المِلْكِ، كما إذا أَقَامَ أحدهما بَيِّنَةً أنَّه اشْتَرَاهُ من زيد مُنْذُ سَنَةٍ، والآخر بَيِّنَةً علَى أنَّه اشْتَرَاهُ من عمرو منذ سنتين، ولو نَسَبَا العَقْدَيْنِ إلى شَخْصٍ وَاحِدٍ، فأقام هذا بَيِّنَةً على أنَّه اشْتَرَاهُ من زيد من سَنَةٍ، وهذا بَيِّنَةً على أنَّه اشْتَرَاهُ من زيد منذ سنتين. فالسَّابِقُ أَوْلَى لا مَحَالَةَ (١).

وطَرَدُوهُ أيضاً، فيما إذا تَنَازَعَا أرضاً مَزْرُوعَةً فأقام (٢) أحدهما بَيِّنَةً أنها أرْضُهُ زَرَعهَا، والآخر بَيِّنَةً أنها مِلْكهُ مُطْلَقاً؛ لأن البَيِّنَةَ التي تَشْهَدُ بالزَّرْعِ، تثبت المِلْكَ من وقت الزِّرَاعَةِ. هكذا ذكر صاحب "التهذيب" تَصْوِيراً، وتَوْجِيهاً. وفيه ما تبين (٣) أن سَبْقَ التَّارِيخ لا يُشْتَرَطُ أن يكون بِزَمَانٍ مَعْلُومٍ، حتى لو قامت بَيِّنَةٌ على أنَّه مَلَكَهُ منذ سَنَةٍ، وأخرى على أنه مَلَكَهُ أكثر من سَنَةٍ؛ كان موضع الخلاف، فإن رَجَّحْنَا أَسْبَقَ البَيِّنَتَيْنِ تَارِيخاً قَضَيْنَا بها، ولصاحبها الأُجْرَةُ، والزِّيَادَاتُ الحَادِثَةُ من يومئذ، وإن لم نُرَجِّحْهَا، ففيها الخِلاَفُ السَّابِقُ في تَعَارُضِ البَيِّنَتَيْنِ.

وإن كانت إحدى البَيِّنَتَينِ مُطلَقَةٌ، والأخرى مُؤَرَّخَةً، فمن قطع من مختلفي التَّاريخِ بأنه لا تَرْجِيحَ فههنا أَوْلَى، ومن أَثبَتَ الخِلاَفَ هناك تَحَزَّبُوا فمن طَارِدٍ للقولين هاهنا بوجه تَرْجِيح المُؤَرَّخَةِ (٤)؛ بأنها تثبت المِلْكَ من وقت مُعَيَّنِ، والأخرى لا تَقْتَضِي إلا إِثْبَاتَ المِلْكِ الحال. والتَّسْوِيَةُ بينهما فإن المطلقة، كما لا تَقْتَضِي الإثْبَاتَ قبل الحَالَةِ الرَّاهِنَةِ لا تَنْفِيهِ أيضاً، ولَعَلَّهُ لو بحث عنها أثبت المِلْكَ قبل ذلك الوقت.

ومِنْ قَاطِعِ بالتَّسْوَيةِ، وكيف فرض؟ فالظاهر التَّسْوَيةُ هاهنا.

ثم احتج المُزَنِي للقول الذي اخْتَارَهُ: بأنهما لو تَنَازَعَا دَابَّةٌ؛ أقام أَحَدُهُمَا بَيِّنَةٌ على أنها مِلْكُهُ، والآخر بَيِّنَة أنها مِلْكُهُ، وهو الذي نَتَجَهَا، تُقَدَّمُ البيِّنةُ المتعرضة لِلنِّتَاجِ، واخْتَلَفَ الأَصْحَابُ.

ولم يُسَلِّم له أكثرهم ما ادَّعَاهُ، وحكموا (٥) بأن المَسْأَلَةَ على القولين. أو أَجْرَوْهُمَا في كل بَيِّنَتَيْنِ؛ أَطْلَقَتْ إحداهما [الملك] (٦) ونَصَّتِ الأخرى على المِلْكِ، وسببه من الإرْثِ، والشِّرَاءِ، وغيرهما.


(١) قد صرح النووي في الروضة بنفي الخلاف وتصريحه بنفي الخلاف لم يصرح به الرافعي، لكنه قضيةكلامه حيث قال: "فالسابق أولى لا محالة".
(٢) في ز: أقام.
(٣) في أ: بين.
(٤) قد رجح النووي وطريقة القطع وترجيحه طريقة القطع لم يقله الرافعي بل حكى الخلاف ثم قال وكيف ما كان فالظاهر التسوية.
(٥) في ز: وحكوا.
(٦) سقط في: ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>