قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا ادَّعَى دَاراً، أو عَبْداً في يدي رجل، فَشَهِدَتْ له البَيِّنَة بالمِلْكِ في الشَّهْرِ الماضي، أو بالأَمْسِ، ولم تَتَعَرَّضْ للحال. نقل المُزَنِيُّ والربيع أنها لا تُسْمَعُ، ولا يُحْكَمُ بها. وعن رِوَايَةِ البويطي: أنها تُسْمَعُ، ويُقْضَى بها.
وللأَصْحَابِ -رحمهم الله- فيه طَرِيقَانِ:
أشهرهما -وبه قال ابن سُرَيْجٍ: أن المسْأَلَةَ على قولين:
أحدهما: أنَّه يُسْمَعُ؛ لأنها تُثْبِتُ المِلْكَ سَابِقاً، والشيء إذا ثَبَتَ، فالأصل فيه الدَّوَامُ والاسْتِمْرَارُ.
وأصحُّهما: المَنْعُ؛ لأن دَعْوَى المِلْكِ السَّابِقِ لا تُسْمَعُ، فكذلك البَيِّنَةُ عليه.
ولأن ثُبُوتَ المِلْكِ سَابِقاً إن اقْتَضَى بَقَاءَهُ قيد المدعى عليه، وتصرفه يَدُلُّ على الانْتِقَالِ إليه، ولا يَحْصُلُ ظَنُّ المِلْكِ في الحال.
والثاني: ويُحْكَى عن أبي إِسحَاقَ: القَطْعُ بأنها لا تُسْمَعُ، وحَمَلَ هؤلاء المَحْكي عن البُوَيْطِيِّ على أنَّه ذَكَرَهُ من عند نَفْسِهِ، وَيَجْرِي الخِلاَفْ فيما إذا ادَّعَى اليَدَ، وشَهِدَ الشُّهُودُ على أنَّه كان في يَدِهِ أَمْسِ. واعلم أن للَقَوْلَيْن في هذا الفَرْعِ تَعَلُّقا بالقولين، فيما إذا أَرَّخَتِ البَيِّتَتَانِ المِلْكَ بتاريخين مختلفين؛ هل يُقَدَّمُ أَسْبَقُهُمَا تَاريخاً؛ أم يتساويان؟ ثم منهم من يَبْنِي القَوْلَيْنِ هاهنا على القَوْلَيْنِ هناك، ومنهم من يعكس البنَاءَ. وقربا من الوَجْهَيْنِ فيما إذا قال: كان لِفُلاَنٍ عَلَيَّ كذا، أو كانت هذه الدَّارُ لفلاَن. هل يكون إِقْرَاراً؟
وإذا قلنا: بأن الشَّهَادَةَ لا تُسْمَعْ على المِلْكِ السابق، فينبغي أن يَشْهَدَ الشَّاهِدُ على المِلْكِ في الحال. أو يقول: كان مِلْكاً له ولم يزلْ.