للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن أقام كل واحد بَيِّنَةً تَعَارَضَتَا، وجاء أقْوَالُ التَّعَارُضِ، هذا إذا لم يَتَّفِقَا على وَقْتِ مَوْتِ أحدهما، فإن اتَّفَقَا عليه، واخْتَلَفَا في أن الآخَرَ مَاتَ قبله، أو بعده، فالمُصَدَّقُ من يَقُولُ: مات بعده؛ لأن الأَصْلَ دَوَامُ الحَيَاةِ. كان أقام كُلُّ واحد بَيِّنَةً، قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ من يقول: مَاتَ قبله؛ لأن معها زِيَادَةُ عِلْمٍ.

ولو مات رجل عن زَوْجَةٍ، وأولاد، فقالوا لها: كُنْت أَمَةً فعتقت بموت أَبِينَا. أو ذِمِّيَّةً، فَأسْلَمْتِ بعد موته (١) وقالت: بل عتقت، أو أَسْلَمْتُ قبل موته، فهم المُصدَّقُونَ. وإن قالت: لم أَزَلْ مُسْلِمَةً، أو حُرَّةً، فهي المُصَدَّقَةُ؛ لأن الظَاهِرَ ما تقوله.

وعن رواية الرَّبِيع قول: إنها تُصَدَّقُ في الحُرِّيَّةِ دُونَ الإِسلامِ؛ لأن الأَصْلَ في الناس الحُرِّيَّةُ، فإنهم يُخْلَقُونَ أَحْرَاراً، وفي الذين يُخْلَقُونَ مُنْقَسِمِينَ؛ إلى مُسْلمين، وكفار. وخرج قول: أنهم المصدقون جميعاً؛ لأن الأَصْلَ عَدَمُ وِرَاثَتِهَا والله أعلم.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: الثَّالِثَةُ لَوْ قَالَ: إِنْ قُتِلْتُ فَأَنْتَ حُرٌّ فَقَامَتْ بَيِّنَةُ الوَارِثِ أَنَّهُ مَاتَ حتفَ أَنْفِهِ وَبيِّنَةُ العَبْدِ أَنَّهُ قُتِلَ فَقَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا: التَّسْوِيَةُ، وَالآخَرُ: تَقْدِيمُ بيِّنَةِ القَتْلِ لِمَا فِيهَا مِنَ الزِّيَادَةِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: سَيِّدٌ قال لِعَبْدِهِ: إن قُتِلْتُ، فأنت حُرٌّ، وتَنَازَعَ بعده العَبْدُ والوَارِثُ، فأقام العَبْدُ بَيِّنَةً؛ أنه قُتِلَ، والوَارِثُ بَيِّنَةً؛ أنه مات حَتْفَ أَنْفِهِ. فقولان:

أحدهما: أنهما يتعارضان (٢)، لما بَيْنَهُمَا من المُنَافَاةِ.

والثاني: أن بَيِّنَةَ العَبْدِ أَوْلَى؛ لأن عنده زَيادَةَ عِلْمٍ (٣) بالقَتْلِ، فإن قلنا: بالتَّهَاتُرِ فكأنه لا بَيِّنَةَ [فيحلف الوَارِثُ] (٤) ويَسْتَمِرُّ الرِّقُّ.

وإن قلنا: بالقِسْمَةِ، عتق نِصفه، وإن قلنا: بالقُرْعَةِ، عتق، إن خرجت له القُرْعَةُ، ورُقَّ إن خَرَجَتْ لِلْوَارِثِ. والوَقْفُ لا يَخْفَى، والظَّاهِرُ من القولين في المَسْأَلَةِ على مَا ذَكَرَ أبو الحَسَنِ العبادي تَقْدِيمُ بيِّنَةِ العَبْدِ، ونَقْلُ طَرِيقَةٍ قَاطِعَةٍ به، قال: ولا شَكَّ أن القِصَاصَ لا يَجِبُ؛ لأن الوَارِثَ مُنْكِرٌ لِلْقَتْلِ، فإن ادَّعَى الوَارِثُ القَتْلَ، وأقام المُدَّعِي بَيِّنَةً؛ أنه مات حَتْفَ أَنْفِهِ، جرى القَوْلاَنِ. ولو قَال: إن مت في رمضان، فعبدي حُرٌّ، وأقام العَبْدُ بَيِّنَةً؛ أنه مات في رَمَضَانَ، والوارث بَيِّنَةً؛ أنه مات في شوال. فَعَلَى القولين:

أحدهما: التَّعَارُضُ.


(١) في أ: بعده.
(٢) في ز: متعارضتان.
(٣) في ز: العلم.
(٤) سقط في: أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>