للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَعَارَضَتَا، جاء الخلاَفُ السَّابِقُ. وحكى القاضي ابْنُ كَجٍّ عن بعض الأَصْحَابِ: إنه إذا وُجِدَ التَّعَارُضُ في مثل هذا، غلبتِ الحرية (١).

خاتمة لهذا الطرف: من ادَّعَى وِرَاثَةَ إنسان، وطلب تَرِكَتَهُ، أو شَيْئًا منها، فَلْيُبيِّنْ جِهَةَ الوِرَاثَة؛ من بنوة، وأخوة (٢)، وغيرهما. وذكر أبو الفرج السَّرَخْسِيُّ: إنه لا يكفي لِطَلَبِ التَّرِكَةِ ذِكْرُ الجِهَةِ على المذهب، بل يَتَعَرَّضُ مع الجهة لِلْوِرَاثَة؛ فيقول: أنا أَخُوه، وَوَارِثُهُ. وإذا شهد عَدْلاَنِ، وهما من أَهْلِ الخِبْرَةِ بباطن حَالِ المَيِّتِ، أن هذا ابنه، لا نعرف له وَارِثاً سِوَاهُ، دُفِعَتْ إليه التَّرِكَةُ.

وإن شهدا لصاحب فَرْضٍ دُفِعَ إليه فَرْضُهُ، ولا يُطَالَبانِ بضَمِينن؛ فإنَّ طَلَبَ الضَّمِينِ مع قِيَامِ البَيِّنَةِ كالطَّعْنِ في الشُّهُودِ. وحكى الفوراني: أنه لاَ بُدَّ من ثَلاَثةِ شُهُودٍ هاهنا، كما ذكره في شَهَادَةِ الإِفْلاَسِ. والمشهور الأَوَّلُ.

وإذا لم يكن الشهود من أَهْلِ الخِبْرَةِ، أو كانوا من أَهْلِ الخِبْرَةِ، ولم يقولوا: لا نَعْلَمُ وَارِثاً سِوَاهُ، فالمَشْهُودُ له؛ إما أن يكون له سَهْمٌ مُقَدَّرٌ، أوَ لا يَكُون.

فإن لم يكن له سَهْمٌ مُقَدَّرٌ، فلا يُعْطَى في الحال، بل يَتَفَحَّصُ القَاضِي عن حَالِ المَيِّتِ في البِلاَدِ التي سَكَنَهَا، أو طَرَقَهَا؛ فيكتب إليها للاسْتِكْشَافِ، أو يأمر من يُنَادِي فيها: أَلا إن فلاناً قد مَاتَ، فإن كان له وَارِثٌ، فَلْيَأْتِ القَاضِي، أو ليبعث إليه. فإذا تفحص [في مدة] (٣) يغلب على الظَّنِّ في مِثْلِهَا، أنه لو كان له وَارِثٌ هناك، لظهر، ولم يظهر، فحينئذ يُدْفَعُ المَالُ إليه. ويكون البَحْثُ والتَّفَحُّصُ قائماً (٤). مقام خِبْرَةِ الشهود.

وفي "أَمَالي" أبي الفرج حِكَايَةُ قول: أنه لا يُدْفَعُ المَالُ إليه بعد التَّفَحُّصِ أيضاً، ويُشْتَرَطُ قِيَامُ البَيِّنَةِ على النَّسَقِ الذي سبق. وفيه وجه: أنه يُفَرَّق بين أن يكون المَشْهُودُ له مِمَّنْ يَحْجُبُهُ غيره؛ كالأخِ، فلا يُدْفَعُ إليه المَالُ بعد التَّفَحُّصِ، وبين أن يكون مِمَّنْ لا يَحْجُبُهُ غيره؛ كالابن. فَيُدْفَعُ. والظاهر عند الأكثرين الأَوَّلُ. وإذا دُفِعَ المَالُ إليه. فهل يُؤْخَذُ منه ضَمِينٌ؟ ظاهر لفظه -رضي الله عنه- في "المختصر"، أنه يُؤْخَذُ، ولاَ بُدَّ منه.

وقال -رضي الله عنه- في "الأم": وأُحِبُّ أن يُؤْخَذَ منه ضَمِينٌ، فاختلف الأَصْحَابُ على طريقين:

أشهرهما: أن المَسْأَلَةَ على قولين:


(١) قال النووي: معنى تغليبها أنه لا يحكم بسقوط البيتين.
(٢) في ز: وأخرة
(٣) سقط في: ز.
(٤) في ز: فإنما.

<<  <  ج: ص:  >  >>