للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويتخير بين الخصلتين الأَوَّلييْن، وليعلم لهذا قوله في الكتاب: "قَوَّم عليه الباقي" بالحاء، ثم إِنَّهُ ذَكَرَ أن التقويم بِأَرْبَعَةِ شُرُوط:

أَحَدُهَا: كون المعتقِ مُوسِراً، فلو كان مُعْسِراً لم يعتق نصيب الشَّرِيكِ واستقر فيه تَبَعُّضُ الرق والحرية، وقد سبق أَحْكَامُ مَنْ بَعضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ رَقيقٌ في أبواب، وأكسابه مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُ وبين السيد، فإن جَرَتْ مهايأة بينهما اكْتَسَبَ يوماً للسيد ويوماً لنفسه، أو استخدمه السيد يوماً وتركه يوماً، والمهايأة تكون بالتَّرَاضِي، ولا تَلْزَمُ على الأظهر، وقد سبق ذكر ذلك، وفي الشرط مَسَائِلُ:

إحْدَاهَا: ليس المقصود من المُوسِرِ الذي يُعَدُّ من الأغنياء لكن إذا كان له من المال (١) ما يَفِي بقيمة نصيب شريكه، فيقوم عليه، وإن لم يملك غيره؛ لظاهر الخبر الذي تقدَّم وَيُصْرَفُ إلى هذه الجهة كل ما يباع ويصرف إلى الديون (٢) فلا يبقى مسكنه وخادمه وكل ما يَفْضُلُ عن قُوتِ يومه وقوت من تلزمه نفقته، ودِسْتِ ثَوْب يلبسه، وَسُكْنَى يَوْمٍ وليس الْيَسَارُ المُعْتَبَرُ في الباب كاليَسَارِ المُعْتَبر في الكَفَّارَةِ المُرَتَّبَةِ، إلى هذا أشار بقوله في الكتاب: "كما في الديون التي عليه"، والاعْتِبَارُ في اليَسَارِ بحَالَةِ الإِعْتَاقِ فإن كان موسراً، حينئذ ثبت العتق، واستحقاق العتق في الباقي، وإن لم يكن مُوسِراً وقت الإعتاقِ ثم أَيسَرَ؛ فلا اعتبار به، وقد استقر البعض.

الثَّانِيَةُ: لو مَلَكَ المُعْتِقُ قِيمَةَ نصيب الشريك، ولكن عليه من الدَّيْنِ مثل ما يملكه أو أكثر، فهل يمنع الدَّيْنُ التَّقْوِيمَ عليه والسِّرَايَةَ؟ فيه قولان: كالقولين في أن الدَّيْنَ هل يمنع الزكاة؟ والجامع أن سرَايَةَ العتق حق الله تعالى، وهو متعلق بحَظِّ الآدَمِيِّ كالزكاة.

وَالأَصَحُّ: أنه لا يمنع وجعل الشيخ أَبُو عَلِيٍّ الْخَلاَّفُ في المسألةِ وَجْهَيْنِ، وقال: من الأصحاب من قال: لا تقويم عليه؛ لأنه غير مُوسِرٍ بما يَمْلكُهُ بل هو فقير من فقراء المسلمين، وكذلك تَحِلُّ له الزكاة فإن أبرئ مِن الدَّيْنِ، لم يُقَوَّمْ عليه أيضاً كالمُعْسِرِ يُوسَرُ. وقال الأكثرون ومنهم (٣) ابْنُ الحَدَّاد: يُقَوَّمُ عليه؛ لأنه مالك لما في يده نَافِذُ التَّصَرُّفِ.

ولو اشترى به عبداً وأعتقه نفذ فكذلك يجوز أن يقوم عليه، فعلى هذا يُضَارِبُ الشريك بقيمة نصيبه مع الغُرَمَاءِ، فإن أصابه بالمُضَارَبَةِ ما يفي بقيمة جميع نصيبه فذاك، وإِلاَّ اقْتَصَرَ على حِصَّتِهِ ويُعْتَقُ جَمِيعُ العبد إن قلنا: تَحْصُلُ السِّرَايَةُ بنفس الإعتاق، وإن قلنا لا تحصل بنفس الإعتاق فيعتق من نصيبه بقدر حِصَّتِهِ [أي التي جعلت من المضاربة] (٤) ويبقى الباقي رقيقاً، فإن حدث له بعد ذلك مالٌ لم يُقَوَّمْ عَلَيْهِ الباقي، لكن


(١) في أ: مال مكان "من المال".
(٢) في ز: التبعيض.
(٣) في أ: وفيهم.
(٤) سقط في: ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>