للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأيضاً: فإن الإعْتَاقَ في المَرَضِ أَقْوَى من التدبير؛ لأنه منجز ولاَزِمٌ لا رُجُوعَ عنه، ثم هو مُعْتَبَرٌ من الثلث، فالتدبير أَوْلَى أن يُعْتَبَرَ من الثلث، وإنما يُعْتَقُ المُدَبَّرُ من الثلث بعد الدُّيُونِ، كما ذكرنا في "الوَصَايَا" فلو كان عليه دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ للتَّرِكَةِ، لم يُعْتَقْ منه شيء، وإن لم يكن دَيْنٌ ولا مال سواه، عتقَ منه ثلثه، وإن كان عليه دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ نِصْفَهُ، بيع نصفه في الدَّيْنِ، ويعتق من الباقي ثُلُثُهُ، ولا اسْتِسْعَاءَ.

وعند أبي حنيفة: ومن "تعليقةُ إبراهيم المَرورُوذِيِّ": أن الحِيلَةَ في أن يُعْتَقَ جميع العبد بعد الموت وإن لم يكن له مَالٌ سواه، أن يقول: "هذا العَبْدُ حر قبل مَرَضِ مَوْتِي بيوم، وإن مِتُّ فجأة فقبل مَوْتي بيوم"، فإذا مات بعد التَّعْلِيقَيْنِ بأكثر من يَوْمٍ، عتق العَبْدُ من رَأْسِ المال ولا سبيل عليه لِأَحَدٍ.

ولو اقْتَصَرَ على قوله: "أنت حُرٌّ قبل موتي بيوم أو بشهر"، فإذا مات، نُظِرَ إن كان في أَوَّلِ اليوم، أو الشهر قبل الموت مَرِيضاً، فيعتبر عِتْقُهُ من الثلث، وإن كان صحيحاً فمن رَأْسِ المال، ولا فَرْقَ في الاعْتِبَارِ من الثُّلُثِ بين أن يقع التدبير في الصحة، أو في المَرَضِ كالوَصِيَّةِ.

الثانية: إذا دَبَّرَ عَبْدًا ومَاتَ، وبَاقِي مَالِهِ غَائِبٌ عن بَلْدَةِ الورثة، أو دين على معسر، فلا يُعْتَقُ جميع المُدَبَّرِ، وهل يعتق ثُلُثُهُ؟ فيه وجهان:

أحدهما: نعم، واخْتَارَهُ القاضي أبو حَامِدٍ؛ لأن الغَيْبَةَ لا تزيد على العَدَمِ، ولو لم يملك إلاَّ هَذَا لعتقَ ثلثه، فكذلك عند الغيبة. وعلى هذا فثلث أكْسَابِهِ بعد موت السَّيِّدِ له، ويُوقَفُ الباقي.

وأظهرهما: على ما ذكر الشيخ أَبُو حَامِدٍ، وصاحب "التهذيب" وغيرهما: أنه لا يُعْتَقُ حتى يصل المَالُ إلى الوَرَثَةِ؛ لأن في تجهيز العِتْقِ تَنْفِيذُ التَّبَرُّعِ من الثلث، قبل تَسَلُّطِ الوَرَثَةِ على الثلثين. إذ لا بد من التَّوَقُّفِ في الثلثين إلى أن يُتَبَيَّنَ حَالُ الغائب، وعلى هذا فتوقف الأَكْسَابُ؛ فإن حَضَرَ بأن عِتْقٌ، وأن الأَكْسَابَ له ويقال: إن الخِلاَفَ في المَسْأَلَةِ قولان: منصوص، ومُخَرَّجٌ. والمنصوص الثاني.

وإذا كانت قِيمَةُ المُدَبَّرِ مائة، والغائب قَدْرُ مائتين، فحضرت مائة، فعلى الوَجْهِ الأول؛ يعتق ثُلُثَاهُ؛ لأن ثلثه عتِقَ في الحال فهذا حضرت مائة عتق بِقَدْرِ ثلثها أيضاً.

وعلى الثاني: يُعْتَقُ نِصْفُهُ؛ لحصول مِثْلِهِ للورثة، فإذا حضرت مائة، وبلغت مائة اسْتَقَرَّ العِتْقُ في ثلثيه، وتسلط الورثة على ثلثيه وعلى المائة.

وفي طريقة الصَّيْدَلاَنِيِّ تَفْرِيعاً على أنه يُعْتِقُ من المُدَبَّرِ ثلثيه أن للوارث التَّصَرُّفَ في الثلثين، فإن حضر المَالُ الغَائِبُ نُقِضَ تصرفه، وأنه لو أعتق الوَارِثُ الثلثين، ولم

<<  <  ج: ص:  >  >>