للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واسْتُؤْنِسَ لاعتبار التَّكْلِيفِ بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النور: ٣٣] وإنما يَتَحَقَّقُ الابْتِغَاءُ من العاقل البالغ.

وإن كاتب العَبْدُ لنفسه ولأولاده الصِّغَارِ، لم تصح الكِتَابَةُ للأولاد، وفي صِحَّتِهَا لنفسه قَوْلا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ.

وحكى الصَّيدَلاَنِيُّ عن أبي حَنِيْفَةَ: أنها تَصِحُّ في حَقِّ الجميع، وذكر أن أبا حَنِيْفَةَ ساعد على أنَّه لو كان الأَبُ حُرّاً، لم تصح كتابته لأَوْلاَدِهِ الصِّغَارِ، وأن مالكاً قال بِصِحَّتِهِا. إذا عرف أنَّه ليس للسيد أن يُكَاتِبَ عَبْدَهُ الصغير والمجنون، فلو أنَّه فَعَلَ وقال في كتابته: "إذا أَدَّيْتَ كذا فأنت حُرٌّ، فوجدت الصِّفَةُ، حصل العِتْقُ. قال الإمَامُ: وفي النَّفْسِ من هذا شَيْءٌ؛ لأنه أَدَاءٌ من حيث الصُّورَةُ، ولا يُتَصَوَّرُ منهما التَّمْلِيكُ، وقد ذكرنا أن قَوْلَ الرجل لامْرَأَتِهِ: إن أَعْطَيتِنِي ألفاً فأنت طَالِقٌ، يقتضي إِمْكَانَ التمليك.

ولك أن تُؤَيِّدَ ما ذكره باحْتِمَالٍ قَدَّمْنَاهُ فيما إذا عَلَّقَ الطَّلاَقَ بدخول الطفل، فوجد منه صُورَةُ الدخول أنَّه لا يَحْنَثُ، والمذهب حُصُولُ العِتْقِ، ثم حكى القاضي ابن كَجٍّ في كَيْفِيَّةِ حُصُولِهِ اخْتِلاَفاً عن الأَصْحَاب، منهم من قال: يحصل العِتْقُ حُصُولَهُ في الكتابات الفاسدة؛ لأنه لم يَرْضَ بعتقه إلاَّ بالعِوَضِ، فعلى هذا يَرْجِعُ السَّيِّدُ عليه بالقيمة (١).

وظاهر المذهب أنَّه يَحْصُلُ بمُجَرَّدِ حُصُولِ الصِّفَةِ المُعَلَّقِ عليها، وأنه ليس لما جَرَى حُكْمُ الكِتَابَاتِ الفَاسِدَةِ في التراجع وغيره، فلا يرجع السيد عليه بِقِيمَتِهِ، ولا يجب عليه رَدُّ ما أخذه. أما أنَّه لا يرجع بالقِيمَةِ، فلأن قَبُولَ الصبي والمجنون والْتِزَامَهُمَا المال بَاطِلاَنِ، والعقد معهما ليس بِعَقدٍ؛ ولذلك لو اشترى الصَّبِيُّ والمجنون شَيْئاً، وهلك عنده لا يَضْمَنُهُ بعقد.

ولو اشترى العَاقِلُ البالغ شَيْئاً شراءً فاسداً فَهَلَكَ [فهل] (٢) عنده يَضْمَنُهُ. وأما أنَّه لا يَرُدُّ ما أخذه، فلأنه كَسْبُ عَبدِهِ. وهذا الخِلاَفُ الذي حَكَاهُ ابن كَجٍّ، كخلافٍ نَقَلُوهُ فيما إذا [كاتب] عَبْدَهُ المَجْنُونَ، وأخذ المَالَ المُسَمَّى.

روى المُزَنِيُّ في "المختصر" أنَّه يعتق العَبْدُ، ولا تَرَاجُعَ.

ورواية الرَّبيع أنَّه يثبت التَّرَاجُعُ؛ فعن ابن سُرَيْجٍ وابن خَيْرَانَ: أن الحُكْمَ ما رَوَاهُ الربيع على مَا هُوَ دَأْبُ الكتابة الفَاسِدَةِ، وأن المُزَنِيَّ أخطأ في النَّقْل، وربما حَمَلَ مَا رَوَاهُ على ما إذا [كاتب عبده] (٣) كتابة صحيحة، ثم جُنَّ العَبْدُ، فأخذ المال وهو


(١) قال النووي: الأصح أنها لا تصح.
(٢) سقط في: ز.
(٣) في ز: كانت عنده.

<<  <  ج: ص:  >  >>