للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسجد، أو لا يكون واحد منهما في المسجد، أو يكون أحدهما في المسجد، والآخر خارجه، فهذه ثلاثة أقسام، ومتن الكتاب يشتمل عليها جميعاً.

أما الأول: فمتى كان الإمام والمأموم في مسجد واحد صح الاقتداء، قربت المسافة بينهما أو بعدت لكبر المسجد، اتحد البناء الذي وقفا به أو اختلف كصفة المسجد وصحته، وإنما كان كذلك؛ لأن المسجد كله مبني للصَّلاة وإقامة الجماعة فيه، فالمجتمعون فيه مجتمعون لإقامة الجماعة مؤدون لشعارها، فلا يضرهم بعد المسافة، واختلف الأبنية، فلو كان أحدهما على المنارة المبنية في المسجد، والآخر في سرداب فيه صحت الصلاة، وكذا لو كان الإمام في المسجد، والمأموم على السطح يجوز إذا تأخر موقف المأموم عن موقف الإمام، أو حازاه، فإن تقدم ففيه القولان السابقان في تقدم المأموم على الإمام، وقد روي "أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- صَلَّى عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ بِصَلاَةِ الإمَام فِي الْمَسْجِدِ" (١). ثم لا يخفى أن المسألة مفروضة فيما إذا كان السطح من المسجد، أما لو كان السَّقْفُ مملوكاً فليست المسألة من هذا القسم، وإنما هي بمثابة ملك متصل بالمسجد، وقف أحدهما فيه والبناآن من المسجد الواحد، لا بد وأن يكون باب أحدهما نافذاً إلى الثاني، إلا فلا يعدان مسجداً واحداً، وإذا كان كذلك فلا فرق بين أن يكون الباب بينهما مفتوحاً، أو مردوداً مغلقاً، أو غير مغلق، وحكي في "النهاية" وجهاً آخر: أنه لو كان الباب بينهما مغلقاً لم يجز الاقتداء؛ لأن الإمام والمأموم حينئذ لا يعدان مجتمعين، ونقل القاضي ابن كج عن أبي الحسين بن القطان مثل ذلك، فيما إذا كان أحدهما على السطح وكان باب المرقى مغلقاً، وكل واحد منها زيف ما حكاه.

وقوله في الكتاب: (إما بمكان جامع) إلى أن قال: (واختلاف البناء) هذا كلام القسم الأول، وأراد بكونه جامعاً، أنه لا بد وأن يكون الإمام والمأموم مجتمعين في الموقف على ما ترجم هذا الشرط به، ومن أسباب الاجتماع أن يكون الموضع مبنياً للصلاة، فيكون جامعاً لهما وإن اختلف البناء وبعدت المسافة، ولعله لو قال: وهو المسجد بدل قوله: "كالمسجد" لكان أحسن؛ لأن الكاف للتشبيه والتمثيل ولا مكان سوى المسجد يكون جامعاً، ثم لك مباحثة في قوله: (كالمسجد) وهي أن تقول: اللفظ يشمل المسجد الواحد والمسجدين فما قولكم فيما إذا وقف هذا في مسجد وذاك في مسجد آخر متصل به أو غير متصل أيكون الحكم كالحكم فيما لو وقفنا في مسجد واحد أو لا يكون كذلك؟ وظاهر اللفظ متروك.


(١) رواه البيهقي بإسناد فيه صالح مولى التوأمة، وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (٢/ ٢٢٣) وانظر الفتح (١/ ٤٨٦) وتعليق التعليق (٢/ ٢١٥ - ٢١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>