للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن لم يكن بَاقِياً؛ فعن أبي إِسْحَاقَ، وغيره وجه: أن الواجب (١) الإيتاء لكونه غير مُقَدَّرٍ ضعيف، فيؤخر عن الدَّيْنِ، ويجعل في مَرْتَبَةِ الوَصَايَا.

وذكر وجه آخر: أن على قولنا: إن القاضي يُقَدِّرُهُ باجتهاده، فَقَدَّرَهُ أقل ما يتمول منه في مرتبة الدُّيُونِ، والزيادة عليه في مَرْتَبَةِ الوصايا لضعفه وهذا ما أَوْرَدَهُ في الكتاب مُسْتَثْنى عن قولنا: إن الوَاجِبَ ما يُقَدِّرُهُ القاضي، ويليق بالحَالِ، فقال: "إلا أن يموت قبل الإيتاء ... " إلى آخره.

وكأن مَنْ قَالَ به يقول: الزِّيَادَة على أَقَلِّ ما يتمول لا يليق بحال الميت؛ لأَنه مُعْسِرٌ. وظَاهِرُ المَذْهَبِ أن ما يحكم بوجوبه على اخْتِلاَفِ الوجهين كَسَائِرِ الدُّيُونِ يُقَدَّمُ على الوَصَايَا، فإن أَوْصَى بِزِيَادَةٍ على الواجب، فتلك الزِّيَادَةُ من الوَصَايَا.

واعلم أن الحِكَايَةَ عن نَصِّ الشَّافعي -رضي الله عنه- في "المختصر" أن المُكَاتَبَ يُحَاصّ بالذي له أَهْلَ الدِّيْنِ والوَصَايَا.

واعترض المُزَنِيُّ وقال: يلزمه أن يقدمه على الوَصَايَا، وكيف يُحَاصّ الفريقين، والدُّيُونُ مقَدَّمَةٌ على الوَصَايَا، فإن حَاصَّ أَهْلَ الدُّيُونِ يقدم على الوصايا، وإن حَاصَّ أَهْلَ الوصايا تَقَدَّمَتِ الديون عليه. واختلف الأَصْحَابُ -رحمهم الله- في الجَوَابِ على وجوه:

أحدها: أن الكاتب غلط، وإنما قال الشَّافِعِيُّ -رضي الله عنه- يُحَاصّ أَهْلَ الديون دون الوَصَايَا.

والثاني: عن ابن سُرَيْجٍ تَنْزِيلُ (٢) النَّصِّ على ما إذا أوصى أن يكون الإيتاء والدُّيُونُ من الثلث، وكان الثلث يحتملهما، والوَصَايَا أيضاً؛ فيتحاصُّون (٣) جميعاً في الثُّلُثِ.

والثالث: تنزيله على ما إذا قدر القاضي شيئاً باجْتِهَادِهِ فَيُحَاصّ أرْبَابَ (٤) الديون بأقل ما يتمول منه، وأَرْبَاب الوَصَايَا بالزيادة. وهو الوجه الذي قَدَّمْنَاهُ.

والرابع: تَنْزِيلُهُ على ما إذا أَوْصَى السَّيِّدُ بزيادة على القَدْرِ الواجب، فيحاص أَرْبَابَ الديون بالواجب، وأَرْبَابَ الوَصَايَا بالزيادة.

وبهذا قال ابن خَيْرَانَ، وشَبَّهَ ذلك بما أَوْصَى بأن يمح عنه بالحجة الواجبة من بلده، فَقَدَّرَ أُجْرَةَ الحج من المِيقَاتِ من رَأْسِ المال، والزيادة تُعْتَبَرُ من الثلث.

الفَرْعُ الثَّانِي:

إذا لم يبق من النجوم إلاَّ القَدْرُ الواجب في الإِيتَاءِ فلا تسقط ولا يَحْصُلُ


(١) في ز: أنه واجب.
(٢) سقط في: ز.
(٣) في ز: فيتخاصمون.
(٤) في ز: له باب.

<<  <  ج: ص:  >  >>