للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الإِمام: وهذا المعنى يَقْتَضِي طَرْدَ الوَجْهِ الثالث قبل التعجيز، وما يبقى من دَيْنِ المعاملة يُتْبَعُ به بعد العِتْقِ، وما يبقى من الأَرْشِ يَتَعَلَّقُ بالرّقَبَةِ، فيباع فيه.

ولو مات المُكَاتَبُ قبل أن يقسم ما في يَدِهِ انْفَسَخَتِ الكتابة، وسقطت النُّجُومُ وذكر جماعة -منهم صاحب "الشامل"، ويحكى عن ابن سُرَيْجٍ- أن أُرُوشَ الجِنَايَاتِ تسقط أيضاً؛ لأنها تَتَعَلَّقُ بالرَّقَبَةِ، وقد تَلِفَتْ، وتتعلق بما في يَدِهِ أيضاً بِحُكْمِ الكتابة، فإذا انْفَسَخَتِ الكِتَابَةُ بطل ذلك التَّعْلِيقُ أيضاً، فعلى هذا يَتَعَيَّنُ صَرْفُ ما خلفه إلى دُيُونِ المُعَامَلاَتِ، وأبقى مُبْقُونَ الأَرْشَ وتَعَلُّقَهَا بالمال.

وعلى ذلك جَرَى الصَّيدَلاَنِيُّ، والإمام، وصاحب "التهذيب" -رحمهم الله- وعلى هذا؛ فإن سَوَّيْنَا [في] (١) صورة التَّعْجِيزِ، فهاهنا أَوْلَى.

وعلى الوجه المنقول (٢) عن صاحب "التقريب": تَقْدِيمُ الأَرْشِ.

وإن قلنا هناك: [يقدم] (٣) دين المُعَامَلَةِ؛ فهاهنا وجهان:

أحدهما: أن الجَوَابَ كذلك؛ استِصْحَاباً لما كان في حال الحَيَاةِ.

وأظهرهما: التَّسْوِيةُ؛ لأن الدَّيْنَيْنِ متعلقان بما خَلَّفَهُ، وتَأَخُّرُ الأَرْشِ في الحياة كان لِتَوَقُّعِ تَوْفِيرِهِ من الرَّقَبَةِ، وقد بَطَلَ ذلك التَّوَقُّعُ.

الثانية: إذا لم يكن في يَدِ المُكَاتَب مَالٌ، أو قسم الموجود إما على الديون جَمِيعاً بالتَّسْوِيةِ، أو على التَّقْدِيمِ والترتيب، وبقيت النجوم أو بَعْضُهَا؛ فللسيد تَعْجِيزُهُ وَرَدُّهُ إلى الرِّقِّ.

إن بقيت الأُرُوشُ، أو بعضها، فَلِمُسْتَحِقِّ الأَرْشِ الباقي تَعْجِيزُهُ أيضاً لتباع رَقَبَتُهُ في حَقِّهِ، ولا يُعَجِّزُهُ بنفسه؛ لأنه لم يعقد حتى يفسخ، ولكن يَرْفَعُ الأَمْرَ إلى الحاكم حتى يُعَجِّزَهُ. صرح الأصحاب بهذا.

وقال الإِمَامُ: ظاهر كَلاَمِهِمْ أنه يُعَجِّزُهُ بِنَفْسِهِ والوَجْهُ: الرفع إلى القَاضي.

فلو (٤) أراد السَّيِّدُ أن يَفْدِيَهُ، وتبقى الكتَابَةُ؛ فهل يَمْتَنِعُ على مستحق الأرش التَّعْجِيزُ؟ وهل يجب عليه قَبُولُ الفِدَاءِ؟

قال الإِمام: فيه احْتِمَالْ مُتَلَقَّى من قول الأَصْحَاب: يجوز أن يقال: لا؛ لأن السَّيِّدَ إنما يَفْدِي إذا تَعَلَّقَ الأَرْشُ بالرَّقَبَةِ، وهذا لا يَتَحَقَّقُ مَا دامت الكِتَابَة بَاقِيَةً. وليست الكتابة كالاسْتِيلاَدِ حتى يجعل السيد مَانِعاً لها، كما يجعل مَانِعاً بالاسْتيلاَدِ.


(١) سقط في: ز.
(٢) في ز: المذكور.
(٣) في ز: تقديم.
(٤) في ز: فإن.

<<  <  ج: ص:  >  >>