للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتابعه؛ لأنه إما عامداً فصلاته باطله أو ساهٍ فذلك الفعل غير معدود من الصَّلاَةِ وإن لم يكن مبطلاً، وإنما يتابعه في أفعال الصَّلاَةِ، لا في غيرها وإن ترك سنة نظر، إن كان في الاشتغال بها تخلف فاحش، كسجود التلاوة والتشهد الأول، فلا يأتي بهما المأموم قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّمَا جُعِلَ الإمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ" (١) ولو اشتغل بهما بطلت صلاته؛ لعدوله من فرض المتابعة إلى السُّنة، ويخرج عن هذا جود السَّهْوِ، يأتي به وإن تركه الإمام؛ لأنه يفعله بعد خروج الإمام من الصلاة فلا مخالفة، وكذا يسلم التسليمة الثَّانية إذا تركها الإمام، وإن لم يكن فيه إلا تخلف يسير كجلسة الاستراحة فلا بأس بانفراده بها كما لا بأس بزيادتها في غير موضعها، وكذلك لا بأس بانفراده بالقنوت إذا لحقه على القرب.

وقوله: (إن لحق الإمام في السجود) يعني في السجدة الأولى، فأما إذا كان اللحوق في الثانية فيكثر التخلف وسيأتي بيان التخلف المبطل في الفصل التَّالي لِهَذَا.

قال الغزالي: (السَّادِسُ) المُتَابَعَةُ فلَا يَتَقَدَّمُهُ وَلاَ بَأْسَ بِالمُسَاوَقَةِ إِلاَّ فِي التَّكْبِيرِ فَإِنَّهُ لاَ بُدَّ فِيهِ مِنَ التَّأخِيرِ، وَالأَحَبُّ التَّخَلُّفُ فِي الكُلِّ مَعَ سُرْعَةِ اللُّحُوقِ، فَإِنْ تَخَلَّفَ بِرُكْن لَمْ يَبْطُلْ وَإنْ تَخَلَّفَ بِرُكْنَيْنِ مِنْ غيرِ عُذرِ بَطُلَ (ز). وَالأَصَحُّ بِأنَّه إِذَا رَكَعَ قَبْل أَنْ يَبْتَدِئَ الإِمَامُ الهَوِيَّ إلَى السُّجُودِ لَمْ تَبْطُلْ، وَإِنْ ابْتَدَأَ الهُوِيَّ لَمْ تَبْطُلْ أَيْضًا عَلَى وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الاعتِدَالَ لَيْسَ رُكْناً مَقْصُودًا، فَإِنْ لاَبَسَ الإِمَامُ السُّجُودَ قَبْلَ رُكُوعِهِ بَطُلَ، وَالتَّقَدُّمُ كَالتَّخَلُّفِ، وَقِيلَ: يَبْطُلُ وإنْ كَانَ بِرُكْنٍ وَاحِدٍ.

قال الرافعي: يجب على المأموم أن يتابع الإمام، ولا يتقدم عليه في الأفعال؛ لما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "لاَ تَبَادِرُوا الإمَامَ، إِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وإذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وإذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا" (٢).

وروي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "أمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَالْإمَامُ سَاجِدٌ أَنْ يُحَوِّلَ اللهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ" (٣) والمراد من المتابعة أن يجري على أثر الإمام، بحيث يكون ابتداؤه بكل واحدٍ منها متأخراً، عن ابتداء الإمام، ومتقدمًا على فراغه.

روي عن البراء بن عازب قال: "كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَإِذَا قَالَ: سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ لَمْ يَحْنِ أَحَدٌ مِنَّا ظَهرُهُ، حَتَّى يَضَعَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- جَبْهَتَهُ عَلَى الْأَرْضِ" (٤) فلو خالف


(١) أخرجه البخاري (٧٢٢ - ٧٣٤) ومسلم (٤١٤).
(٢) أخرجه مسلم (٤١٥) وأبو داود (٦٠٣ - ٦٠٤).
(٣) أخرجه البخاري (٦٩١) ومسلم (٤٢٧) وأبو داود (٦٢٣).
(٤) أخرجه البخاري (٦٩٠، ٧٤٧، ٨١١) ومسلم (٤٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>