قال الرافعي: إذا اشتبه عليه مَاءٌ وَبَولٌ، أو ماء ومَاءُ وَرْدٍ، فهل يجتهد؟ فيه وجهان:
أحدهما: نعم اعتماداً على الأمارات كما في الماء النجس.
وأصحهما: لا؛ لأن الاجتهاد وهم أو رجم ظن لا يعتمد إلا إذا اعتضد بأصل الطهارة والطهورية، فعلى هذا يعرض هاهنا في الصورة الأولى ويتيمم، وفي الثانية: يتوضأ بهذا مرة، وبهذا مرة. وإن قلنا: بالأول فلا شك أن هاهنا لا يكتفي بسبق الوهم لفقد الأصل، فلا بد من الأمارات، وبنى بعضهم الخلاف في الصورتين جميعاً على الخلاف في أَنَّا هل نكتفي في الاجتهاد بسبق الوهم أم يعتبر النظر في الأمارات؟
إن قلنا بالأول فلا يجتهد، وإن قلنا بالثاني فيجتهد.
أحدهما: لا, لأن الاجتهاد إنما يصار إليه عند العجز عن درك اليقين، ألا ترى أن في الحوادث لا يجوز الاجتهاد مع وجود النص؟
وأظهرهما: نعم؛ لأن تركه التطهير بالماء المقطوع بطهارته، والعدول إلى المشكوك في طهارته جائز، وهذا أصل يتخرج عليه مسائل. منها: ما إذا كان على شَطِّ نَهْرٍ أمكنه التطهر به، والإعراض عن المائين المشتبهين جميعاً، وأمكن غسل الثياب المشتبهة به، وهذه الصورة هي المذكورة في الكتاب. ومنها: أن يكون عنده قُلَّتَا ماء، إحداهما نجسة من غير تغير ولو جمعهما لبلغ المجموع قلتين. ومنها: أن يشتبه عليه ماء طهور وماء مستعمل. ومنها: أن يشتبه عليه ماء، وَمَاءُ وَرْدٍ، فيجري الوجهان في جميع هذه الصورة إلا أن الظاهر في الصورة الأخيرة منع الاجتهاد، لا من جهة هذا الأصل؛ بل للمعنى الذي سبق.