للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لغرض، ولعل هذا بعد أن يسير مسافة القصر، والله أعلم.

ولو استقبله برية، واضطر إلى قطعها أو ربط قصده بمقصد معلوم بعد ما هام على وجهه أياماً فهو منشئ للسفر من حينئذ، وتنبه من لفظ الكتاب أمور.

أحدها: إنما قال: (والمراد بالسفر) ولم يذكر أن السفر عبارة عن المعنى الذي يخرج عنه الهائم؛ لأنه ينتظم أن يقال، هو هائم في سفره.

والثاني: أنه في الكلام إضمار، معناه ربط قصد السَّيْرِ بمقصد مَعْلُوم، لأن مجرد النِّية لا يَجعله مسافراً ولا تفيد الرخصة، قال الله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} (١) الآية، ربط القصر بالضَّرْبِ في الأرض لا بقصد الضرب، وهذا بخلاف ما لو نوى المُسَافِرُ الإقامةَ في موضع صالح لها، حيث يصير مقيماً؛ لأن الأصل الإقامة والسفر عارض، فيجوز أن يعود إلى الأصل بمجرد النية ولا يعود به من الأصل إلى العارض وهذا كما أن مال القنية لا يصير مال نجدة بمجرد النية ومال التجارة يصير مال قنية بمجرد النية (٢).

والثالث: أن قوله ربط القصد بمقصد معلوم، يخرج عنه ما لو خرج في طلب آبق لينصرف مهما لقيه؛ لأن المراد من المقصد المكان الذي كان يتوجه بسيره إليه وهو لا يقصد ثَمَّ مكاناً معيناً، وهذه المسألة قد ذكرها في الكتاب في قيد طويل، وسنذكرها ونظائرها من بعد.

وأما ابتداء السفر فيتبين بتفصيل الموضع الذي منه الارتحال، فإذا ارتحل عن بلدة، نظر إن كان لها (٣) سورة فلا بد من مجاوزته، وإن كان داخل السور مزارع أو مواضع خربة لأن جميع ما في داخل السور معدود من نفس البلدة محسوب من موضع الإقامة، وإذا جاوز السور فلفظ الكتاب كالصريح في أنه ابتداء السفر، ولا يتوقف الترخص على شيء آخر؛ لأنه قال: (وإنما يترخص المسافر عند مجاوزة السور) ونَقْلُ كثير من الأئمة يوافقه، ولكن في بعض "تعاليق" المروذيين أنه إن كان خارج السور دور متلاصقة أو مقابر فلا بد من مفارقتها، ويقرب من هذا إيراد الكلام في "التهذيب" فلك أن تقدر في المسألة وجهين، وتوجه الأول بأن تلك الأبنية لا تعد من البلد، ألا ترى: أنه يقال: مدرسة كذا خارج البلد.


(١) سورة النساء الآية ١٠١.
(٢) سقط من (ط).
(٣) لو كان للبلدة، سوران اعتبر مجاوزتهما كلما صرح به جماعة وقد يدعى دخول ذلك في عبارة المصنف، وفي الكفاية عن الجيلي أنه لو كان له خندق فلا بد من مجاوزته. قال: وعليه يدل كلام غيره أنه لو كان بباب البلد قنطرة فلا بد من مجاوزتها. وعبارة الجبلي: "وإن كان البلد مسوراً بسور أو خندق فلا بد من مجاوزة الدرب وإن كان للبلد سوران أو خندقان فلا بد من مجاوزتهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>