للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لنا أنهم مقتدون بمقيم، فيلزمه الإتمام، كما لو اقتدوا بمقيم فأحدث واستخلف مسافراً، والدليل على أنهم مقتدون به أن سهوه يلحقهم.

واعلم أن أئمتنا لم يذكروا خلافاً في أن القوم يتمون، لكن يأتي فيه وجه، لأنا سنحكي في مسائل الاستخلاف وجهاً أنه يجب على القوم نية الاقتداء بالخليفة، فعلى هذا إنما يلزم المأمومين في هذه المسألة إذا نووا الاقتداء بالخليفة، أما إذا لم يفعلوا فلا؛ لأنهم ما نووا الإتمام ولا اقتدوا بمقيم، وكان ما أطلقوه جواب على الأصح، وهو أنه لا حاجة إلى نية الاقتداء بالخليفة؛ وما ذكرناه يجوز إعلام قوله: (أَتَمَّ المقتدون) بالواو مع الحاء.

وقوله في صورة المسألة: (وخلفه مسافرون) أي ومقيم أو مقيمون، ول تمحض المأمومون مسافرين - لكان استخلاف المقيم استخلاف غير المأمومين، وفيه كلام سنذكره من بعد، وأما الإمام الذي سبقه الرعاف أو الحدث ماذا يفعل؟ ظاهر نص الشافعي -رضي الله عنه- يقتضي وجوب الإتمام عليه، فإنه قال -بعد تصوير المسألة-: (كان على جميعهم والراعف أن يصلوا أربعاً) واعترض المزني فقال: إنما أتم الخليفة؛ لأنه مقيم والقوم خلفه؛ لأنهم مؤتمون بمقيم، فأما الراعف فليس بمقيم ولا مؤتم بمقيم، فما باله يتم؟ واختلف الأصحاب في الجواب على طريقتين، منهم من قرر ظاهر النَّص، وقال: يجب عليه الإتمام أيضاً؛ لأن الخليفة فرع له، ولا يجوز أن تكون صلاة الأصل أنقص من صلاة الفَرْع، حكاه ابن سريج عن بعض أصحابنا وضعفه، وسلم الجمهور للمزني ما ذكره، واختلفوا في تأويل النَّصِّ على وجوه.

أحدها: أن ما ذكره الشَّافعي -رضي الله عنه- جواب على القول القديم، وهو إن سبق الحدث الرعاف لا تبطل الصلاة، لكنه يرفع المانع ويبني، فعلى هذا الراعف وإن انصرف فهو في صلاة وهو كالمؤتم بخليفة، وبتقدير أن لا يكون مؤتماً، فقد حصل في جماعة إمامها مقيم في بعض الأحوال، فيلزمه الإتمام لذلك؛ وهذا التأويل يحكى عن ابن سريج، وضَعَّفَه الشيخ أبو حامد وغيره من أئمتنا، ومنعوا كونه مؤتمًّا بالخليفة، وأنه إذا حصل في جماعة إمامها مقيم في بعض الأحوال يجب عليه الإتمام إذا لم يأتم هو به، وأيضاً فإن البناء على الصلاة إنما يجوز على القديم دون الجديد. والاستخلاف الذي عليه بناء المسألة إنما يجوز على الجديد دون القديم فلا ينتظم التفريع.

الثاني: قال أبو غانم ملقى (١) وابن سريج: صورة النص أن يحس الإمام بالرعاف


(١) أبو الطيب البغدادي، ويقال فيه أبو العباس، ويعرف بالممتع، وبالملقى أيضاً، وهو من خواص ابن سريج، والمتولي للإلقاء عنه والإعادة في مجلسه، لهذا قيل له: الملقى، انظر الأسنوي (١٠٣٨) العبادي (٩٧) الأنساب (١١/ ٤٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>