للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السفر، ولا جمع إلا للنسك بعرفة، والمزدلفة كما سيأتي.

وقوله: (والمطر) معلم بالحاء أيضاً والزَّاي، لأن عندهما لا جمع بالمطر، وبالميم؛ لأن عند مالك يجوز الجمع بين المغرب والعشاء بعذر المطر، ولا يجوز الجمع بين الظهر والعصر به، وبالألف؛ لأن أحمد صار في إحدى الروايتين إلى مثل مالك -رحمه الله-، وبالواو لأن الإمام ذكر أن صاحب "التقريب" (١) حكى قولاً ضعيفاً مثل مذهب مالك -رحمة الله عليه-، وقوله: (في وقتيهما جائز) يقتضي جواز التقديم والتأخير جميعاً بالعذرين السفر والمطر ولكن في جواز التأخير بعذر المطر خلاف ذكره في آخر الباب على ما سيأتي، والأظهر المنع، ولا يجوز الجمع بين صلاة الصبح وغيرها، ولا بين العَصْرِ والمغرب، لم يرد بذلك نقل عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

قال الغزالي: وَالحَجِيجُ يَجْمَعُونَ بِعِلَّةِ السَّفَر أوْ بِعِلَّةِ النُّسُكِ فِيهِ خِلاَفٌ.

قال الرافعي: الْحُجَّاج الأفاقيون يجمعون بين الظهر والعصر بعرفَة في وقت الظهر، وبين المغرب والعشاء بالمزدلفة في وقت العشاء، ثبت ذلك من فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعليه جرى الناس في الأعصار، واختلف أصحابنا في سبب هذا الجمع، منهم من قال: إنما يجتمعون بسبب السفر كسائر المسافرين، ومنهم من قال: إنما يجمعون بسبب النُّسك. وذلك أن الحاج يحتاج إلى الدعاء بعد الظهر، فلو لم تقدم العصر لشغلته عن الدّعاء، وإذا غربت الشمس فهو وقت الاشتغال بالدفع من عرفة، فجوز له الجمعان تكميلاً لشغل النسك، فإن قلنا بالمعنى الأول فهل يجمع المكي؟ فيه قولان؛ لأن سفره قصير، ولا يجمع العرفي بعرفة، ولا المزدلفي بالمزدلفة، فإنه في وطنه؛ وهل يجمع كل عنهما بالبقعة الأخرى؟ فيه القولان؟ وإن قلنا: بالمعنى الأول جاز لجميعهم الجمع فحصل للجمع سبب ثالث وهو النسك، ذكره كله صاحب "النهاية" وغيره؛ ومنهم من يقول: في جواز الجمع للمكي قولان:

الجديد: المنع.

والقديم: الجواز، ثم لم يجوز قيل للسفر وقيل للنسك، فإن فرعنا على القديم فهل للعرفي والمزدلفي الجمع؟ فيه وجهان بناء على المعنيين، وأصل الفرض في الإيرادين واحد وإن اختلفا في بعض الأمور؛ وقد عرفت بما ذكرنا أن قوله: (والحجيج يجمعون) يعني به الحجيج الآفاقيين، فأما غيرهم فالخلاف في حقهم في أصل الجمع لا في العلّة؛ وظاهر المذهب عند الأئمة أن العلةَ السفرُ وأن المكي والعرفي لا يجمعان.


(١) أخرجه مسلم (١٢١٨) (١٦٦٩، ١٦٧٢) ومسلم (١٢٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>