النَّاس، وعَسُر اجتماعُهم، وبهذا قال ابْنُ سُرَيْجٍ وأبو إسحاق وهو مذهب أحمد.
والرابع: أن الزيادة لا تجوز بحال، وإنما لم ينكر الشافعي -رضي الله عنه- في بغداد لما دخلها؛ لأن المسألة مسألة اجتهادية، وليس بعض المجتهدين الإنكار على سائرهم (١)، وهذا الوجه الرابع يوافق إطلاق الكتاب حيث قال:(إن لا تكون الجمعة مسبوقة بأخرى) فإنه لم يفصل بين بلدة وبلدة وهو ظاهر نص الشافعي -رضي الله عنه- الذي قدمناه، ورأى الشَّيخ أبو حامد وطبقته الاقتصار عليه مذهباً، لكن الذي اختاره أكثر أصحابنا تعريضاً وتصريحاً: إنما هو الوجه المنسوب إلى ابن سريج وأبي إسحاق، وهو تجويز التعديد عند كثرة النَّاس والازدحام، ومِمَّن رَجَّحِهُ القاضي ابن كج والحناطي والقاضي الروياني، وعليه يدل كلام حُجَّة الإسلام في "الوسيط" مع تجويزه للنهر الحائل أيضاً، ولا يخفى مما ذكرناه، أنه ينبغي أن يُعَلم قوله:(أن لا تكون الجمعة مسبوقة بأخرى) بالألف والواو؛ لأنه مُطْلَقٌ، والوجوه المذكورة تنازع فيه سوى الوجه الأخير، إذا عرف ذلك فمتى منعنا من الزيادة على جمعة واحدة فزادوا وعقدوا جمعتين فله صور:
إحداها: أن تسبق إحداهما الأخرى، فالسابقة صحيحة لاجتماع الشرائط فيها، واللاحقة باطلة لما ذكرنا أنه لا مزيد على واحدة وبماذا يعتبر السبق فيه ثلاثة أوجه:
أصحها: أن الاعتبار بالتحرم، فالتي سبق عقدها على الصحة هِيَ الصحيحة، وإن تقدمت الثانية في الخطبة أو السلام.
والثاني: أن الاعتبار بالسَّلام، فالتي سبق التحلل عنها هي الصحيحة؛ لأن الصلاة إذا وقع التحلل عنها أمن عروض الفساد لها، بخلاف ما قبل التحلل فكان الاعتبار به أولى.
والثالث: أن الاعتبار بالخوض في الخطبة فالتي تقدم أول خطبتها هي الصَّحيحة.
قال الإمام: وهذا ملتفت إلى أن الخطبتين بمثابة ركعتين، ولم يحك أكثر أصحابنا العراقيين سوى الوجه الأول والثاني: ونقلهما صاحب "المهذب" قولين.
وقوله في الكتاب:(فالتي تقدم تكبيرها هي الصحيحة) يقع على تمام التكبير حتى لو سبقت إحداهما بهمزة التكبير والأخرى بالراء منه، فالصحيحة هي التي سبقت بالراء؛ لأنها التي تقدم تكبيرها، وهذا هو أصح الوجهين، وفيه وجه آخر أنه ينظر إلى أول التكبير، ثم على اختلاف الوجوه لو سبقت إحداها الأخرى لكن كان السلطان مع