"إِذَا زُوحِمَ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَتِهِ، فَلْيَسْجُدْ عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ"(١). وبهذا قال أبو حنيفة وأحمد، وقال مالك يصبر ولا يسجد على ظهر الغير، ونقل المحاملي وغيره وجهاً أنه يتخير بين أن يسجد على ظَهْرِ الغير متابعةً للإمام، وبين أن يصبر ليحصل له فضيلة السجود على الأرض، والمذهب الأول، ثم قال مُعْظَمُ الأصْحَابِ: إنما يسجد على ظهر الغير إذا قدر على رعاية هيئة الساجدين، بأن كان على نشز من الأرض، والسجود على ظهره في موضع منخفض، فإن لم يكن كذلك لم يكن المأتي به سجوداً، وفي "العدة": أنه لا يضر ارتفاع الظَّهْر، والخروج عن هيئة الساجدين لمكان العذر، وقد ذكر صاحب "الإفصاح" ذلك، وإذا تمكن من السجود على ظهر الغير فلم يفعل، ففيه وجهان حكاهما الشيخ أبو محمد:
وأظهرهما: أنه تخلف بغير عذر.
والثاني: أنه تخلف بالعذر، وقد سبق حكم القسمين، أما إذا لم يمكنه أن يسجد على الأرض ولا على ظهر الغير، فلو خرج عن المتابعة لهذا العذر، وأراد أن يتمها ظهراً، هل يصح؟ فيه قولان؛ لأنه ظُهْرٌ قبل فوات الجمعة، وسيأتي الخلاف فيه، قال الإمام: ويظهر عندي منعه من الانفراد؛ لأن إقامة الجمعة واجبةٌ، والخروج عنها قصداً مع توقع إدراكها لا وجه له، فإذا دام على المتابعة فما الذي يفعل: ذكر في "النهاية": أن شيخه حكى فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه يومئ بالسجود أقصى ما يمكنه كالمريض لمكان العذر.
وأصحهما -وهو المذكور في الكتاب-: أنه ينتظر التمكن، ولا يومئ لقدرته على السجود، وندور هذا العذر وعدم دوامه.
والثالث: أن يتخير بينهما، وهذه الوجوه كالوجوه في المغازي أنه يقعد ويومئ، أو يقوم ويتم الأركان، أو يتخير بينهما، وإذا فرعنا على الصحيح، وهو أنه ينتظر، فلا يخلو إما أن يتمكن من السجود قبل ركوع الإمام في الثانية، أو لا يتمكن إلى ركوعه فيها، فأما في القسم الأول فيسجد كما تمكن، ثم إذا فرغ فللإمام أحوال أربعة:
إحداها: أن يكون بعد في القيام فيفتتح القراءة، فإن أتمها ركع معه، وجرى على متابعته، ولا بأس بما وقع من التخلف للعذر كما في صلاة عسفان يسجد الحارسون بعد قيام الإمام إلى الثانية للعذر، كما سيأتي في صلاة الخوف، وإن ركع الإمام قبل أن ينسها، فيبنى حكمه على وجهين نذكرهما في أنه هل يلتحق بالمسبوق أم لا؟ وقد بَيَّنَّا