للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ينظر إن كان صغيراً بعد جاز للرِّجال والنِّساء غسله، وكذا واضح الحال من الأطفال يجوز للفريقين جميعاً غسله كما يجوز مسه والنظر إليه، وإن كان كبيراً فهل يغسل؟ فيه وجهان كالوجهين في المسألة السابقة، لأنه يجوز أن يكون رَجُلاً فيمتنع مسُّه على النساء، أو امرأة فيمتنع مسها على الرجال.

أحدهما: أنه يُيمَّم ويدفن، وبه قال أبو حنيفة -رحمه الله-.

والثاني: أنه يجوز غسله، ومن الذي يغسله؟ فيه وجوه:

أحدها: أنه يشتري من تركته جارية لتغسله، فإن لم يكن له تركة فيشتري من بيت المال. قال الأئمة: وهذا ضعيف؛ لأن إثبات المِلْك ابتداء للشَّخص بعد موته مستبعد، وبتقدير ثبوته فقد ذكرنا أن الصحيح أن الأَمَةَ لا تغسل سَيّدها، والوجه الثَّاني أنَّه في حق الرِّجال كالمرأة، وفي حق النساء كالرجل أخذاً بالأسوأ في كل واحد من الطَّرفين.

والثالث: وبه قال أبو زيد وهو الأظهر: أنه يجوز للرِّجال والنِّساء غسله جميعاً؛ لأنه مَسَّت الحاجة إلى الغسل، وكان يجوز في الصِّغر غسله للطَّائفتين، فيستصحب ذلك الأصل. واعلم أنه ليس المراد من الكبير في هذا الفصل البلوغ ومن الصغر عدمه، لكن المعنى بالصَّغير الذي لم يبلغ حدّاً يشتهي مثله وبالكبير الذي بلغه.

قال الغزالي: فَإِنْ ازدَحَمَ جَمْعٌ كَثِيرٌ يَصْلُحُونَ لِلْغُسْلِ عَلَى امْرَأَةً فَالبِدَايَةُ بِنِسَاءِ المَحَارِمِ ثُمَّ بِالأجْنَبِيَّاتِ ثُمَّ بِالزَّوْجِ ثُمَّ بِالرَّجَالِ الْمَحَارِمِ ثُمَّ تَرْتِيبُ المَحَارِمِ كَتَرْتِيبِهِمْ فِي الصَّلاَة، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الزَّوْجُ عَلَى النِّسَاءِ؛ لأنَّهُ يَنْظُرُ مَا لاَ يَنْظُرْنَ إلَيْهِ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ رِجَالُ المَحَارِمِ عَلَى الزَّوْجِ؛ لأَنَّ النِّكَاحَ انتَهَى بِالمَوْتِ.

قال الرافعي: الصَّالحون لغسل الميت إذا ازْدَحَمُوا لم يخل إما أن يكون الميِّت رَجُلاً أم امرأة فإن كان رجلاً فيغسله قَرَابَاته على التَّرتيب الذي نذكره في الصَّلاة عليه، وهل تقدم الزوجة عليهم؟ فيه وجهان (١) سيظهر توجيههما، وإن كان الميت امرأة فالنساء يقدمن في غسلها وأولاهن نساء القرابة منهن كل ذات رَحِمِ محرَم، فإن استوت اثنتان في المحرمِيّة، فالتي هي في محل العصُوبَة أولى، كالعمة مع الخالة واللواتي لا محرمية لهن يقدم منهن الأقرب فالأقرب، وبعد نساء القرابة تقدم النساء الأجنبيات ثم رجال القرابة


(١) قال النووي: وفيه ثلاثة أوجه:
أصحها: يقدم رجال العصبات، ثم الرجال الأجانب ثم الزوجة، ثم النساء المحارم.
والثاني: يقدم الرجال الأقارب، ثم الزوجة، ثم الرجال الأجانب، ثم النساء المحارم.
والثالث: تقدم الزوجة على الجميع. الروضة (١/ ٦٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>